قال حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي في حديث مع شفقنا (الوكالة الشيعيّة للأنباء): إنّ مكانة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) عند إله الكون سبحانه وتعالى حُدّدت وتعيّنت في مشهد الغدير، وقد أُمر نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلم) بنصبه بأمر الولاية والخلافة، وليصبح خليفة ربّ العالمين ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) على الأُمّة الإسلاميّة.
قال سماحته: إنّ النظام السياسي الذي أقامه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأمر الله، يبيّن أنّ أمر السياسة هو جزء من الدين، وأنّ الله تعالى قد أظهر مسألة الحكومة والحكم في شكل المعارف الدينيّة.
وبالإشارة من سماحته إلى هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [1]، قال: لا شك أنّ هذا الابلاغ، هو ابلاغ نصب أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) خليفة للنبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلم) وحاكماً للأُمّة الإسلاميّة؛ وقال الله سبحانه وتعالى لرسوله في هذه الآية: إنّ لم يتمّ ابلاغ هذا الأمر، فما بلّغت رسالتك.
يجب علينا أنْ نفهم الحكم الأصيل من موقع الدين
وقد صرّح سماحته: أنّ الحكم في منطق الدين والوحي والقرآن، هو شأن من شؤون الله سبحانه وتعالى، وقد أدخل إله الكون سبحانه وتعالى هذه المسألة في نص الدين، ومسألة الولاية كالصلاة، والصوم، وغيرهما من الأحكام ـ بل هي أعلى من هذا ـ ينبغي أنْ تكون محل اهتمام المجتمع الإسلامي، وحتّى في مسألة البيعة مع أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) ـ وهي صحبة الناس للحاكم وتعاطفهم معه ـ نرى أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أمر الجميع بمبايعة أميرالمؤمنين (سلام الله عليه)؛ وهذه الصفات تدل على أنّنا يجب أنْ ننظر إلى الحكم الأصيل من موقع الدين وأنْ نعطي مظهراً إلهيّاً لولاية أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) مثل ولايته في الأُمور الدينيّة الأُخرى.
وقال سماحته: إنّ مرافقة الناس وقبولهم هي من المسائل الرئيسيّة التي أوصى الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) الناس بالقيام بها؛ على كلّ فإنّ مسألة الناس والحكومة أمران متشابكان لا يحدثان إلّا معاً، أي: أنّ الحاكم يجب أنْ يُنصب من قِبَل إله الكون سبحانه وتعالى، ويجب على الناس أيضاً قبول هذا الحاكم ومرافقته على أساس الصبغة الدينيّة؛ لذلك، نرى أنّه عند ما خرج أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) من مشهد الغدير بالتيار الذي بُني في السقيفة، كان حاضراً بشكل كامل على هامش التيارات الحكوميّة والشعبيّة، وكان يساعد حيثما كان ذلك ضرورياً، ولكن عند ما جاء دوره أصبح الأمر مختلفاً جدّاً، أي: تعامل أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) مع الناس بحسب ما يقتضيه موقف الولاية الدينيّة والسياسة الإلهيّة، ولذا اشترط عليهم «انّي أعمل على أساس العدل، والقرآن، وسنة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا أتنازل عمّا هو يميل إلى الحق»؛ وهذه الأُسس التي بيّنها أميرالمؤمنين (سلام الله عليه)، هي في الواقع تبيين لماهية حكومته بأنّ هذا الأمر أوّلاً وقبل كلّ شيء من موقع إلهي، رغم أنّ الذين ذهبوا لبيعة أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) لم يكن يلقوا نظرة عميقة على مشهد الحكومة، وكانوا يرون الحكومة أمراً أرضيّاً، لكن ما أقنع أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) بقبول الحكومة هو الالتزام الذي أخذه الله من الأئمّة (سلام الله عليهم) والعلماء في كلّ عصر.
وأضاف سماحته: يجب التعرّف على رؤية أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) للحكومة في تصريحاته بأنّ «ما يحدث في حكومتي هو ما يحدث لها بإرادة الله، وليس الأمر هكذا بأنْ تكون مسألة الولاية متماثلة مع الوكالة»، فرغم أنّ رأي الناس قد حصل، وبيعتهم العامة قد حدثت، إلّا أنّ أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) ضمن احترام رأي الناس، اعتبر أنّ الإرادة الإلهيّة تتدخل في أمر الحكومة؛ فإذاً لا يتوقع من مثل هذا الشخص سوى العدل والحكم القائم على أساس الحق؛ ومن هذا المنطلق، إذا كانت لديه توصيات وأوامر لولاته، فذلك لأنّه اعتبر أنّ المبنى الأصلي والأساس الرئيسي للقضايا هو في الإرادة الإلهيّة، وهي أنّ إله الكون سبحانه وتعالى من أجل سعادة المجتمع وسننه، يجري أوامره ويعلن رغباته.
وبيّن سماحته ـ في ضمن الإشارة إلى كتاب أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) إلى الأشعت بن قيس والي أذربيجان وعامله عليها، حيث قال: «وإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ ولَكِنَّه فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ» [2] ـ أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) يعتبر الحكومة تمهيداً لإعمال القدرة على وضع الحق مكانه، وإزالة البدع، وإحياء السنن الإلهيّة، وفي نظر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) أنّ على الحكومة أنْ تضع العدل بدلاً من الظلم، والسعادة بدلاً من الشقاوة، والهداية بدلاً من الضلالة؛ وبناءاً على هذا، فإنّه (سلام الله عليه) يوصي عمّاله بعدم اعتبار حكمهم وعملهم طعمة، بل عليهم أنْ يعتبرونه أمانة إلهيّة.
أميرالمؤمنين عليّ (سلام الله عليه) هو مظهرُ إرادةِ الحق في إحياء السنن ومكافحة الأباطيل
وأضاف سماحته: العبارة المشهورة لأميرالمؤمنين (سلام الله عليه) الذي كان يقول: «الإمرة برأيي هي أحقر من النعل القديمة والبالية» [3] هي لأنّ القدرة والحكومة ليس لهما مطلوبية ذاتية، بل يجب استخدام هذه القدرة في طريق احياء الحق، وإماتة الباطل، واحياء المساواة؛ فلذا ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [4] وغيرها من التوصيات الأصيلة، تقتضي أنْ يكون أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) مظهراً لإرادة الله سبحانه وتعالى، ولا يميل إلى شيء سوى العدل وطلب الحق؛ لذلك، فإنّ كتاب أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) هذا إلى الأشعث بن قيس يجب البحث عنه في مبانيه، وهو أنّ الإرادة الإلهيّة تلعب دوراً رئيسيّاً في الحكم، وأنّ أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) هو مظهر لإرادة الحق في إحياء السنن ومكافحة الأباطيل.
وقال سماحته عن رؤية أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) للناس في الحكومة: الحكومة كلّها للناس، كما أنّه ينبغي أنْ يكون الناس كلّهم للحكومة؛ فإنّ الله سبحانه وتعالى هو المسئول عن الحكم أوّلاً وبالذات، ثمّ يعهد مظاهره ومراتب إدارته إلى الإمام، والناس أيضاً حاضرون في المشهد كلّه؛ فالمجتمع الذي يتمتع بالإيمان والإعتقاد بربّ الكون سبحانه وتعالى، ويعرف الإرادة الإلهيّة على أساس الحق والعدل، هو يتماشى مع الإمام ويصحبه في كلّ الاتجاهات، كما أنّ الإمام (سلام الله عليه) أيضاً يتماشى مع الناس ويصحبهم في تحقيق هذه الإرادة الإلهيّة، وهذه هي الصحبة التي تجعل الحكومة مقبولة عند المجتمع.
وقال سماحته: إذا نظرنا إلى المشروعيّة منفصلة عن المقبوليّة، فربّما لا يطيق الناس الحکومة ويبتعدون عنها؛ وحتّى لو أراد الإمام (سلام الله عليه) أنْ يتصرّف على أساس الحق والعدل، ولكن المجتمع إذا لم يكن معه، ولم يقبل نظام فكره، فإنّ تلك الرغبة لن تتحقق؛ فعلى هذا، إنّ دور الناس هو دور مثالي ويجب أنْ يكون حاضراً في جميع أنحاء الحكم، وحتّى القبول والإيمان بالإمام الذي يريد أنْ يكون مظهراً من مظاهر الإرادة الإلهيّة، يجب أنْ يكون مرغوباً من قِبَل المجتمع.
وأكّد سماحته: أنّ مكانة الناس في الحكم هي مكانة أصيلة، وهذا التكاتف يصبح أساساً للحكم الأصيل، وإلّا حتّى لو كان الحاكم هو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) أيضاً، إذا لم يكن هناك قبول من المجتمع، فتلك الحكومة لن تكون مرضيّة ولن تتمتع بخاصية الرضا أبداً.
لا ينبغي أنْ نعتبر هذه المقبوليّة خارج الدين والمشروعيّة داخل الدين
وبالإشارة من حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي إلى الآية الشريفة: ﴿رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ [5]، قال: إنّ «رضيت» هذا، هو أمر مهم للغاية وللأسف يتمّ تجاهله؛ إنّ تيار «الولاية السياسيّة» هو تيار تلعب إرادة الله فيه دوراً، وتلعب إرادة الناس أيضاً فيه دوراً في قبول هذه المسئوليّة؛ لذلك، لا ينبغي أنْ نعتبر هذه المقبوليّة خارج الدين والمشروعيّة داخل الدين، ونحن إذا أضرنا كلاهما فلن يصل أيّ منهما إلى حق، ولن تحدث الحكومة المناسبة والمؤهلة.
وأشار سماحته: من أجل الحكم المناسب، توضع إرادة الناس بجانب الإرادة الإلهيّة، وهذان الاثنان يمكن أنْ يخلقوا حدثاً جيّداً وجديراً.
الانفصال بين الجمهوريّة والإسلاميّة سيؤدي إلى سقوط كليهما
وقد صرّح حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي: أنّ الانفصال بين الجمهوريّة والإسلاميّة سيؤدي إلى سقوط كليهما، ولن تبقى حينئذٍ جمهوريّة بمعنى الإسلاميّة، ولا إسلاميّة بمعنى الجمهوريّة؛ ونحن لدينا وضع واضح من حيث الحكومة، وإذا كانت هناك موارد قالها أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) للأشعث بن قيس، فذلك لأنّ مباني هذه المدرسة السياسيّة واضحة تماماً، ولا ينبغي أنْ يتدخل شيء سوى الإرادة الإلهيّة من جهة، وإرادة جمهور الناس من جهة أُخرى، حتّى لو أدرك الشخص أحياناً أنّ هذا الموقع هو الموقع الحق؛ فلذا إنّ موافقة الناس ورضاهم، والقبول القلبي والعقلي من المجتمع، من الأُمور التي يجب أنْ تراعى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة المائدة (5): الآية 67.
[2] نهج البلاغة، الكتاب رقم 5.
[3] «قال عبدالله بن العباس: دخلت على أميرالمؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السلام: والله لهي أحب إليَّ من إمرتكم، إلّا أنْ أقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً». (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة (ط ـ دار إحياء الكتب العربية): ج 2، ص 185)
[4] سورة النحل (16): الآية 90.
[5] سورة المائدة (5): الآية 3.