موقع إسراء الرسميّ: بمناسبة قدوم العشر الأواخر من شهر شعبان المعظم، نستعرض بعض كلمات سماحة آية الله العظمى الجوادي الآملي بخصوص لزوم محاسبة النفس والاستعداد قدر الإمكان للضيافة الإلهيّة في شهر رمضان المبارك.
قال سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي: إنّ شهر شعبان المليء بالبركة ـ والذي نحن نكون في مراحله الأخيرة ـ يعتبر نهاية السنة حسب الروايات والأدعية؛ والسرّ في ذلك هو أنّ السالك لديه سنّة خاصّة لسلوكه، وعند ما قالوا لنا: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا» هو لهذا السبب، أي: كونوا أهل حساب! وهذا الكلام هو من كلمات أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) المنيرة، ثمّ قال (سلام الله عليه): «وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا» [1]؛ أي: زنوا أنفسكم قبل أنْ يزنوكم! فعند ما قالوا لنا: «وزنوا»، فبالنهاية كلّ تاجر يعيّن ربحه وخسارته في نهاية العام؛ وآيات مثل: ﴿تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [2]، و﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾ [3]، و﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [4] كلّها تدلّ على أنّ المراد من كلام الإمام علي بن محمّد الهادي (سلام الله عليه) المنير الذي يقول: «الدُّنْیا سُوقٌ رَبِحَ فِیهَا قَوْمٌ وَخَسِرَ آخَرُون» [5] يشير إلى نفس الموضوع؛ إذاً فنحن مشغولون في التجارة، نعطي رأس مال باسم العمر وفي المقابل علينا أنْ نحصل على شيءٍ ما.
أوّل السنة هو أوّل شهر رمضان المبارك، وآخر السنة هو شهر شعبان المعظم؛ فلهذا يمكنكم أنْ تروا أنّ أهل السير والسلوك في شهر شعبان كثيراً ما يكونوا في «اضطراب وتشويش»، على أنّه قد مضى عام وماذا علينا أنْ نفعل، فدعاء: «اَللّهُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنا فیما مَضى مِنْ شَعْبانَ» ليس هو في أدعية الأشهر الأُخرى، على أنّه مثلاً: إلهي! إنْ لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شهر ربيع فاغفر لنا فيما بقي منه، وفي شهر جمادي أيضاً ليس هو كذلك، ولكن في شهر شعبان هو هكذا: «اَللّهُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنا فیما مَضی مِنْ شَعْبانَ فَاغْفِرْ لَنا فیما بَقِي مِنْهُ» [6]؛ أي: إلهي! إنْ تكن قد غفرت لنا حتّى الآن، فمن الآن وصاعداً اجعلنا من المشمولين لرحمتك! لأنّه نهاية السنة.
وأشار سماحته إلى أنّ شهر شعبان المليء بالبركة ـ على وجه الخصوص ـ له هذه الخصوصيّة، وقد سجّل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) نهاية السنة حسب هذه الروايات والأدعية باسمه الشريف؛ فمن منظور جغرافي، قد سُجِّلت ناحية من المكان باسم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [7]، وقد سُجِّلت حصّة من الزمن أيضاً باسمه المبارك (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وتلك الحصّة هي شهر شعبان التي تغطّي الزمان كلّه؛ لأنّها تقع في النهاية وكلّ الشهور أيضاً تتوجّه نحو النهاية؛ وحيث أنّ مكّة المكرّمة هي «أُمّ القُرى» فكلّ القُرى هي متّجهة نحو مكّة، وإذا كان المراد من البلد في: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ «القُرى كلّها»، وإذا كان المراد من: «هَذَا شَهْرُ نَبِیك» يعني أنّ «الشهور كلّها» له (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فهو لأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) سجل تلك النهاية باسمه؛ وفي الواقع، الله سبحانه وتعالى هو الذي سمّى هذا الزمان وتلك الأرض باسم نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)؛ أي: حيث أنّه «المتزمّن» استوعب هذا الزمان، وحيث أنّه «المتمكّن» استوعب هذا المكان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: خطاب سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في جمع طلّاب العلوم الدينيّة في محافظة مازندران (18 / 3 / 1394 هـ ش)
[1] الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم: ص 352 (وفيه: «ووَازِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوَازَنُوا»).
[2] سورة فاطر (35): الآية 29.
[3] سورة البقرة (2): الآية 16.
[4] سورة الصف (61): الآية 10.
[5] ابن شعبة الحراني، تحف العقول: ص 483.
[6] سيد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة (ط ـ الحديثة): ج 1، ص 42.
[7] سورة البلد (90): الآية 1 ـ 2.