التقى بيام فاضلي نجاد، رئيس تحرير مجلة «نقد انديشه» (نقد الفكر)، يوم السبت (15 أبريل 2023 الموافق لـ: 24 رمضان المبارك 1444) بآية الله العظمى الجوادي الآملي وتحدّث معه أثناء حضوره بيت سماحته.
موقع إسراء الرسميّ: قال سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في لقاء مع رئيس تحرير مجلة «نقد الفكر»: في موضوع الفكر، قد حدّد مَنْ هو خالق الفكر، وخالق المفكّر، الطريق في القرآن الكريم؛ فالقرآن الكريم يرى هؤلاء الثمانية مليارات من سكان العالم والمجتمع البشري كأُسرة واحدة! وعلى الرغم من أنّه لم يغفل عن القطاعات الإسلاميّة والإقليميّة، لكن حافّة بيانات القرآن الكريم الأصليّة هي البشريّة، مثل: ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ [1]، و﴿كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ [2]، و﴿لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ [3]، ونحن علينا أنْ نكتب بهذا النظرة.
وقال سماحته: على عكس ما نتخيّله، فإنّ الناس عرفيّون، والناس هم مفكّرون وفقهيّون! فلهذا، إذا رأى الناس أنّهم يتنفّسون في الجوّ الحيّ الذي لا يوجد فيه اختلاس، ولا رواتب نجوميّة، ولا ارتفاع أسعار، ولا تبعيض، فسيحترمون القانون، وسيحترمون أفكار الآخرين، ولو أنّهم قد لا يقبلون تلك العقيدة!
وقد بيّن سماحته أنّه إذا كنتم تريدون أنْ تعيشوا بشكل إنساني عليكم أنْ تفكّروا عالميّاً، وقال: لا يمكن إدارة بلدٍ ما بدون الرؤية للعالم، فهذه الأُمور هي مرتبطة ببعضها البعض، وعلينا أنْ نكون مؤدّبين، وعلينا أنْ نتواصل مع الآخرين على أساس الاحترام، وبالطبع ولو أنّنا لسنا ضد التواصل مع الأجانب، ولكن قلنا مراراً أنّه إذا صافحتم أحداً عدّوا أصابعكم، وهذا نوع من المواظبة؛ ولهذا، إذا أردنا أنْ نعيش براحة، فالطريقة هي ألّا نضلّ الطريق ولا نسدّ طريق أحد! وفي هذه الحالة أيضاً لا علاقة لأحد بنا.
وقد ذكر سماحته في جزء آخر من كلامه: أنّ العلم هو قشرة، وكلّ ما عنده هو من المعلوم، فإذا تغيّر المعلوم يتغيّر العلم أيضاً. كلّ ما في المعلوم هو مخلوق الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى خلق هؤلاء ذا أضلاع ثلاثة، وخلقهم مثلّثاً، وأيّ جزء تلمسونه فهو مثلّث، ومثال ذلك، کلام النبيّ موسى الكليم (سلام الله عليه) في جواب فرعون الذي قال: مَنْ «ربّ العالمين» هذا الذي أتيتما من عنده؟ قال موسى (سلام الله عليه): ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [4]؛ أي: ربّنا هو الذي خَلَق ما هو مصداقٌ للشيء، فكلّ شيء مخلوق الله، وهذا هو المبدأ الفاعلي؛ ثانياً: أعطاه نظامه الداخلي كلّ ما يريد: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾؛ وبعده ﴿ثُمَّ هَدَى﴾ أي: أرشدكم إلى أين يجب أنْ تذهبوا، وما يجب عليكم أنْ تفعلوا، وكيف يجب أنْ تستفيدوا من هذا الكائن، وقد نظّم هذا المثلث في كلّ شيء بطريقة موجبة کلّية؛ فذلك هو النظام الفاعلي، وهذا هو النظام الداخلي، والآخر هو النظام الغايي؛ فلا يوجد شيء بمفرده في العالم، بل هو مثلّث، ولم يخلق شيئاً غير منظّم أو عديم الفائدة!
وتابع سماحته: إذا كان کلّ شيء مثلّثاً، فسيکون له اضلاعاً ثلاثة، لكن هذا المثلّث قد مثّلوه الآن، وقد تخلّوا عن النظام الفاعلي، وتخلّوا عن «مَنْ خَلَقَ؟»! وتخلّوا عن «لماذا خَلَقَ؟»! فالمثلث المشوّه هو بحدّ ذاته علمٌ مثلّج، وهذا العلم لم ولن يوصل أحد إلى أيّ مكان، لأنّ كلّ ما في العالم هو من ناحية العلم، وكلّ ما يمتلكه العلم هو من ناحية المعلوم، وهذا المعلوم المثلّث المشوّه المثلّج، لا يربّي عالماً، وهذا الإصرار من القرآن على العلم بأنّه واهب الحياة وأنّه يحيي الإنسان، هو هذا الأمر.
وقال سماحته: العلم الديني ليس هو أنْ نضع صورة الإمام والقائد، ورمز الجمهوريّة الإسلاميّة في بداية الكُتُب، فهذا العمل ليس إسلاميّاً، بل هو احتكاك بالإسلام فقط، ورغم أنّ هذه الأعمال جيّدة وشكل من الأدب الاجتماعي، لكن هذه الأُمور لا تجعل العلم دينيّاً، بل إنّ العلم الديني هو بالمعلوم، وعلى الجامعة أنْ تفكّر وتناقش حول هذه الأضلاع الثلاثة.
وببيان من سماحته على أنّ الفكر لا يموت، قال: الأمر الذي ينبغي أنْ يناقش في الأجواء العلميّة والجامعات، هو أنّه هل نفسد ونضمحل بالموت أو نخرج من الجسد المادي فقط؟! لقد جاء القرآن ليقول لنا: أيّها الإنسان! أنت لست مثل الشجرة التي تنمو أوّلاً خضراء، وتؤتي ثمارها، ثمّ تصبح حطباً ويتمّ كلّ شيء! بل أنت مثل الطائر الذي يتحرّر من قفصه بعد الموت، فاعلم أنّ الموت ليس هو الفساد والإضمحلال، بل هو الخروج من الجسد المادي؛ وعند ما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الجاثية وردّاً على الكفّار الذين قالوا: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾: كلامهم هذا لا يقوم على العلم، بل هو قائم على الجهل والوهم والخيال [5]، هو هذا الأمر! وهل يموت الفكر؟! وهل يمكن أنْ يتصوّر أنّ هذا النظام الدقيق والنظم الحاكم عليه، قد تمّ إنشاؤهما، وأنّ كلّ مَنْ يفعل ما يفعله لا يحاسب عليه؟! فعلى الجوّ العلمي لجامعاتنا أنْ يدخل في هذه المواضيع، وأنْ يناقش ويفكّر فيها.
وذكر سماحته في جزء آخر من كلامه أيضاً في تبيين نقد الأفكار: أنّه إذا قالوا: انتقدوا، يعني انصحوا، والنصيحة ليست بالكلام أو الكتابة أو الاعتراض، إنّما إبرة الخياطة تسمّى «المنصحة»، والخيّاط يسمّى «ناصح»، فمَنْ لا يرتدي الملابس لا كرامة له، وإبرة الخياطة والخيّاط هما اللذان يحافظان على عِرْضه من خلال خياطة الملابس، فالنقد والنصيحة أيضاً يجب أنْ يكونا هكذا، وهذا ليس نقداً بأنْ نسيء إلى عِرْض الأشخاص في الصحف وما شابه ذلك، بل إذا كان هناك نقد و اشكال، يجب أنْ يطرح بشكل علمي وتحقيقي، وأنْ يحفظ عِرْض الأشخاص.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة المدثر (74): الآية 36.
[2] سورة سبأ (34): الآية 28.
[3] سورة الفرقان (25): الآية 1.
[4] سورة طه (20): الآية 50.
[5] ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ (سورة الجاثية (45): الآية 24)