13 02 2024 1123533 بطاقة تعريف:
image

استنباط الأُصول الإسلاميّة من سُنّة أهل البيت (سلام الله عليهم) وسيرتهم / سيد الشهداء (سلام الله عليه) من مصاديق وجه الله البارزة

موقع إسراء الرسميّ: بمناسبة حلول شهر شعبان المبارك وأعياد الشعبانيّة الميمونة نعيد قراءة بيان سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في هذه الأيّام المباركة.

 

 

موقع إسراء الرسميّ: بمناسبة حلول شهر شعبان المبارك وأعياد الشعبانيّة الميمونة نعيد قراءة بيان سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في هذه الأيّام المباركة.

لقد أوضح آية الله العظمى الجوادي الآملي في بيانه، ضمن تهنئته بهذه الأيّام السعيدة والميمونة، بعض الأُصول الإسلاميّة المستنبطة من سُنّة أهل بيت العصمة والطهارة (سلام الله عليهم) وسيرتهم، ولا سيّما سيد الشهداء (سلام الله عليه)، وفيما يلي نلفت انتباهكم إلى هذا البيان القيّم.

 

من الصعب تحديد هويّة الإنسان دون شهود سيرة الإنسان الكامل وسُنّته

أوّلاً) الحكومة وسائر المسائل المتعلّقة بها هي من العلوم الإنسانيّة، وتحقيق العلوم الإنسانيّة غير ميسور دون تحليل حقيقة الإنسان، ويصعب دراسة هويّة الإنسان دون شهود سيرة الإنسان الكامل وسُنّته، والتأمل التام في تاريخ الإنسان المليء بالفخر والشرف، أحياناً مثل الإمام الحسين بن عليّ المعصوم (سلام الله عليه) هو أفضل طريقة لمعرفة الإنسان من جهة، ومعرفة العناصر المحوريّة للحكومة الدينيّة من جهة أُخرى؛ فلهذا، من الضروري لمؤيدي الحكومة الدينيّة أنْ يجعلوا حياة ذلك السياسي الإلهي أُسوة.

 

التأسي بالإمام المعصوم هو مصدر لجذب الكمال وأساس لإزالة العيوب

ثانياً) الإنسان الكامل والإمام المعصوم مثل سيد الشهداء (سلام الله عليه)، هو واسطة العقد وبيت الغزل في السلسلة الإنسانيّة، الذي يعرف كيفيّة عقل البشر، وطريقة تزكية روح الإنسان، وأُسلوب تضحية النفس البشريّة، أفضل من غيره؛ فلهذا فقد فصل بين مقدار حقوق المجتمع البشري ومقدار تكاليفه، وهو مستحضر لجميع أُصوله وأحكامه من طريق العقل والنقل، وأمين في ابلاغها وتنفيذها؛ فعلى هذا، التأسي بذلك الإمام (سلام الله عليه) هو مصدر لجذب الكمال وأساس لإزالة العيوب، ومن هنا تتضح أهميّة تولّي الإنسان الكامل المعصوم، والتبري من مخالفيه ومحاربيه.

 

الطريق الوحيد للوصول إلى الهدف الأسمى هو طاعة الله سبحانه وتعالى

ثالثًا) الإنسان الكامل المعصوم مثل أبي عبدالله (سلام الله عليه) هو صراط الله المستقيم في حدّ نفسه، وإنّ معرفة ذلك الإمام الهمام الحقيقيّة هي أدقّ من رؤية الشعرة الرقيقة، وطاعته الحقيقيّة أصعب من السلوك على حافة الشفرة الحادّة؛ فلذا ستكون مهمّة قواة التعبئة وسفارة هذه القوات المقاومة صعبة، بل ستكون مستصعبة، لكن يمكن حلّها بالكامل من خلال الثقة بفيض الله اللامتناهي.

ويجب سماع أفضل توجيه للوجهة الخالصة من لسان الصراط المستقيم؛ لأنّه هو الوحيد الذي لديه صلة دائميّة وغير زائلة مع المقصود النهائي، وهو الوحيد الذي يكون الارتباط معه هو سفينة للنجاة ومصباح ساطع لمشهد الطبيعة المظلم، ولقد عرفّ ذلك الإمام (سلام الله عليه) الطريق الوحيد للوصول إلى الهدف الأسمى هو طاعة الله سبحانه وتعالى، وأعلن: أنّه إذا أراد أحد أنْ يصل إلى الغاية بالذنوب، فعليه أنْ يعلم أنّ معصية الله سبحانه وتعالى ستفقده عماد ثقته بسرعة كبيرة، وممّا يحذر منه سيقبض عليه عاجلاً: «مَنْ حاول أمراً بمعصیة الله كان أفوت لما یرجو وأسرع لمجي‌‌‌ء ما یحذر» [1]، وبهذا البيان المنير للإمام (سلام الله عليه) يتضح أنّ الهدف لا يبرر الوسيلة أبداً، بل من أجل تحقيق الهدف الصحيح، يجب استخدام الطريق الصحيح، والطريق الملتوي لا يملك القوّة للهداية إلى الهدف الأسمى، وفقط طاعة الله سبحانه وتعالى في الأوامر والنواهي تفتح الطريق إلى المقصود الأعلى.

 

التحرر من الجهل العلمي والتحرر من الجهالة العمليّة في التأسي بالإمام المعصوم (سلام الله عليه)

رابعاً) الإنسان الكامل المعصوم مثل الحسين بن عليّ (سلام الله عليه) لا فقط أنّه متحرر من كلّ القيود، ومن كل العادات الجاهليّة، والرسوب الوهميّة، بل هو أُسوة للتحرر من الجهل العلمي والتحرر من الجهالة العمليّة، وبما أنّ الحريّة هي سلعة ثمينة، فلا يمكن لكلّ شيء أنْ يكلفها، والرأس فقط هو الذي يجب أنْ يكون قدماً في هذا الطريق وبالدوس عليه يمكن للمرء أنْ يكون مستحقاً للحريّة؛ ويقول القرآن الكريم في هذا الصدد: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ [2]؛ أي: الذي يجاهد في سبيل الله هو الذي باع الدنيا بالآخرة، فمثل هذا المجاهد المقاوم عند دخوله ساحة المعركة ليس لديه أكثر من خيارين: إمّا الشهادة، وإمّا النصر، ولن يكون هناك خيار ثالث له باسم التسليم؛ لأنّ هذا هو النداء الاستراتيجي للحريّة: «هیهات منّا الذلّة، یأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وأُنوفٌ حمیةٌ، ونفوسٌ أبّیة» [3]؛ وهذا يعني أنّ الدناءة لا تتوافق مع اعتلاء كرام الطبع والأحرار السائرون على منهج النبوي، والعلوي، والفاطمي، والحسني، والحسيني (سلام الله عليهم أجمعين).

 

إنّ الأتقياء مدينون لكفاح رجال الله الأحرار وكرام الطبع

خامساً) الإنسان الكامل المعصوم (سلام الله عليه) من حيث أنّه خليفة الله التام، فله موقع التدبير والإرشاد بالنسبة لسائر الناس، بل وله أيضاً الإنعام والإفاضة، ويستفيد الآخرون من مائدة مثل هذا الإنسان الكامل الواسعة؛ على سبيل المثال: إذا کان الأتقياء يستقرون في ظلال الجنّة، ويتم تحصيل رفاههم بدخول الجنّة، فإنّ أساس الجنّة يتحقّق في ظلّ جهود الأُناس الكاملين الذين هم إمّا خلفاء الله أو مَنْ هم مقتدون بهم.

وهذان الأمران يمكن استنباطهما من القرآن الكريم وسُنّة المعصومين (سلام الله عليهم)؛ أحدهما أنّ الأتقياء يعيشون في ظلال الجنّة: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ﴾ [4]، والآخر أنّ الجنّة تقع في ظلّ سيوف المجاهدين المقاومين،كما قال النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): «الجنّة تحت ظلال السيوف» [5]، فإذا كان الذهاب إلى الجنّة رهين تضحية المضحّين الذين ضحّوا بالعالم الخسيس والرخيص من أجل الآخرة النفيسة، وإذا كان يتم تحصيل هذه الجنّة في ظلّ جهاد المجاهدين المقاومين، فإنّ ​​الأتقياء المتوسطين والعاديين الذين ينعمون في ظلال الجنّة هم مدينون لكفاح رجال الله الأحرار وكرام الطبع؛ لأنّ تديّن هؤلاء في الدنيا أيضاً يعتمد على حراسة المناضلين الدينيين والمشاهير في ساحة الصراع والبراز مع الأجانب؛ أي: أنّ أوساط المؤمنين في الدنيا والآخرة مدينون لجهد أوحد المؤمنين المتحمس.

 

التوحيد الخالص هو منزّه من تلوث أيّ نوع من الازدواجيّة

سادساً) الإنسان الكامل المعصوم مثل الحسين بن عليّ (سلام الله عليه) حيث أنّه موحّد خالص، والتوحيد الخالص هو منزّه من تلوث أيّ نوع من الازدواجيّة، لذلك فهو في جميع شئونه العلميّة والعمليّة متوجّه إلى الله سبحانه وتعالى، ويكون جهاده مثل صلاته قربان وعامل للتقرّب، ويكون قتاله مثل صلاته معراج ومصدر للعروج؛ لأنّ ما ورد في الصلاة من أنّ «الصلاة قربان كلّ تقّي» [6]، أو أنّه قيل: «الصلاة معراج المؤمن» [7] فهو صبغة تمثيليّة، لا تعيينيّة.

وبناء على هذا، فإنّ كلّ العبادات العلميّة والعمليّة للإنسان الكامل هي معراجه؛ فلذا، إنّ الحسين بن عليّ (سلام الله عليه) مثل أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) لم يكن يريد الحكومة من أجل الطموح أو من أجل الرفاهيّة الشخصيّة، بل كان يريدها من أجل إعادة الأحكام المنسيّة والحقوق المفقودة فقط.

 

للوصول إلى ینبوع البقاء، فلا سبيل إلّا المرور عبر ممر الفناء

سابعاً) الإنسان الكامل مثل سيد الشهداء (سلام الله عليه) يقوم بكلّ أعماله لوجه الله، ولا يتوقّع أيّ شكر أو ثناء من أحد: ﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾ [8]، ومَنْ كانت همّته كلّها وجه الله، فهو يكون من مصاديق وجه الله البارزة؛ لأنّه وجيه عند الله، وكلّ إنسان كامل يصير مصداقاً لوجه الله فيكون له نصيب من البقاء، ويكون مظهر تامّ لله سبحانه وتعالى الباقي المطلق، وكلّ شيء محكوم بالهلاك والفناء إلّا وجهه: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [9].

ومن هذا المنظر، فإنّ الإنسان الكامل يسمى بقيّة الله؛ لأنّ وثيقة دوامه وبقائه موقَّعة من الله سبحانه وتعالى، والجماعة التي لها صلة بوجه الله، سعت ولا تزال تسعى من أجل رضاه، وهم «أُولو بقيّة»؛ أي: هم أصحاب البقاء والمستحقون للدوام؛ ولا يوجد طريق آخر للوصول إلى وجه الله إلّا من خلال اجتیاز الوجاهة الخلقيّة، وللوصول إلى ینبوع البقاء، فلا سبيل إلّا المرور عبر ممر الفناء.

الطريق الوحيد للوجود هو العدم، والطريق المستقيم للوجود هو المعدوميّة، وما هو مضمّن في لغة «العدم» هو عدم رؤية الذات وعدم الرغبة في رضا النفس، لا اللاوجود والإنعدام الحقيقي؛ لأنّ العدم المحض لم يكن كمالاً أبداً، ولن يكون العدم المطلق طريقاً للإرتقاء؛ وإذا كان هناك حديث في الأدب الفارسي والعربي عن الفناء من أجل البقاء، والعدم من أجل الوجود، فالمقصود هو هذا المعنى الذي قد أُشير إليه الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المصدر: کتاب «سروش هدایت» لسماحة آية الله العظمى الجوادي الآملي، ج 1، ص 236.

 

[1] الکلیني، الكافي (ط ـ الإسلاميّة): ج 2، ص 373، ح 3؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 248 (في قصارى كلمات الإمام الحسين بن علي سلام الله عليه).

[2] سورة النساء (4): الآیة 74.

[3] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 241 (كتاب الإمام الحسین بن عليّ سلام الله علیه إلى أهل الكوفة).

[4] سورة المرسلات (77): الآیة 41.

[5] نهج‏الفصاحة، ج 2، ص 220.

[6] المجلسي، بحار الأنوار (ط ـ بيروت): ج 10، ص 99.

[7] المجلسي، بحار الأنوار (ط ـ بيروت): ج 79، ص 303 و ج 81، ص 255.

[8] سورة الإنسان (76): الآیة 9.

[9] سورة القصص (28): الآیة 88.

 


دیدگاه شما درباره این مطلب
أضف تعليقات