موقع إسراء الرسميّ: بمناسبة اليوم العاشر من شهر رجب ذكرى ميلاد جواد الأئمّة، الإمام محمّد بن علي التقي (سلام الله عليه) نستعرض بعض المقاطع من خطاب سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي وقد ركز فيها على مكانة وشخصيّة ذلك الإمام الهمام (صلوات الله عليه).
وفقاً لتقرير مراسل موقع إسراء الرسميّ: قال آية الله العظمى الجوادي الآملي ـ في ضمن الإشارة إلى فترة طفولة الإمام الجواد (سلام الله عليه) ونقل العلوم الإلهيّة من قِبَل والده الكريم ـ: لمّا ولد الإمام الجواد (سلام الله عليه) كان الإمام الرضا (سلام الله عليه) يحبّ هذا الطفل كثيراً، وكما يروي المسعودي في كتابه «اثبات الوصيّة»: «كان طول لیلته یناغیه في مهده» أي: كان الإمام الرضا (سلام الله عليه) في ليالي كثيرة يتلو ذكر النوم بجانب مهده حتّى السحر، وكان يناجيه، ويناغيه، ويتحدّث معه؛ ولذا قالوا للإمام الرضا (سلام الله عليه): لا يليق بأب مثلك أنْ يقرأ ذكر النوم بجانب مهد الطفل حتّى ينام. فقال (سلام الله عليه): لا أنا أقرأ ذكر النوم، ولا هو ينام، إنّما أنا أنقل المعارف الإلهيّة إليه، و«إنّما أغرّه بالعلم غرّاً» [1] وكان هذا عمل ذلك الأب وذلك الابن (سلام الله عليهما).
وتابع سماحته: عند ما بلغ الإمام الجواد (سلام الله عليه) مرتبة الإمامة الشامخة في طفولته، قالوا له (سلام الله عليه): وهل يبلغ الطفل المرتبة الشامخة مثل النبوّة أو الإمامة؟ قال (سلام الله عليه) في الجواب: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾ [2] ـ الآية التي تقرؤنها في القرآن ـ، وهذه وثيقة أنّه إذا كان لأحد ما علم لدنّي، فإنّ الله سبحانه وتعالى يمنحه مثل هذا المنصب؛ ثمّ عند ما دخل الإمام (سلام الله عليه) المجتمع كان أهمّ عمله تفسير القرآن ونشر معارف القرآن وأهل البيت (سلام الله عليهم).
وقد تصدّى سماحته في جزء آخر من كلامه لتفسير آية من القرآن الكريم تتعلّق بدراسة الآراء المختلفة للمدارس المختلفة على لسان الإمام التاسع المنوّر (سلام الله عليه)، وقال: وقد أمرنا الله جميعاً في القرآن الكريم في سورة «الزمر»، وأخبرنا، وبشّرنا قائلاً: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [3] أي: بشّر أولئك الذين يفحصون المدارس الفكريّة المختلفة ويختارون أفضلها؛ وقال لنا الإمام الجواد (سلام الله عليه) جميعاً في شرح هذا النوع من الآيات: «مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللهِ فَقَدْ عَبَدَ اللهَ وَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يَنْطِقُ عَنْ لِسَانِ إِبْلِيسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلِيس» [4] أي: مَنْ يصغى إلى كلام ناطق فهو يعبده! ومعنى هذا النطق، ليس فقط هو في قبال الكتابة أو الذهاب وما شابه ذلك، بل يشمل أعمال وكتابات الآخرين أيضاً؛ [یعني] قال (سلام الله عليه): إذا أصغى أحد إلى كلام شخص ما، أو نظر إلى مقال شخص ما، أو استمع إلى جريدة شخص ما، أو استمع إلى كلام شخص ما، أو استمع إلى شريط شخص ما، وأراد قبوله، فعليه أنْ يعلم أنّه يعبده، فإنْ كان كلام ذلك الشخص عن الله وعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ـ إنْ شاء الله ـ، فعمل هذا هو عبادة لله وطاعة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإذا كان ذلك الشخص يتكلّم بالباطل ـ لا سمح الله ـ فهذا يعبد الشيطان؛ لذا يشير هذا الحديث المنير إلى أنّه لا ينبغي لنا أبداً قبول أيّ كتابة أو قول أو كلام دون فحص وتحقيق.
كما وقد أشار سماحته في إحدى جلسات دروسه إلى النصائح الأخلاقيّة للإمام التاسع (سلام الله عليه) والذي قد عرّف فيها أنّ الدنيا هي مكاناً للصبر والتحمّل في مواجهة المشاكل، وقال: إنّ شخص ما طلب من الإمام الجواد (سلام الله عليه) نصيحة أخلاقيّة، وقال له: أوصني. فقال الإمام (سلام الله عليه): هل تقبل أم تريد أنْ تسمع فقط؟ قال: لا، أقبل. قال (سلام الله عليه): إذا وافقت فاعلم بهذه المسائل؛ هنا مكان اختبار ومكان للصبر والتحمّل، ومن الخطأ أنْ يظنّ أحد أنّه يريد أنْ يعيش حياة مريحة وسهلة هنا [5]؛ ولقد قال الذي خلق هذا النظام وهذا العالم: انّه لا مكان للراحة هنا، وهو أيضاً كما قال في كتابه: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً﴾ [6] لكنّه مع ذلك أقسم، وقال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [7] أي: وضع الإنسان في الضغط، والمعاناة، والألم، والصعوبة، والمشقّة، والهيكل هنا هو هذا على الاطلاق؛ وهذه اللام هي لام القسم، و«الكبد» يعني الألم، والمعاناة، والضغط، والمشاكل؛ والآن أحد يعاني من ضغوط ماليّة، والآخر يعاني من ضغوط عائليّة، وواحد يعاني من ضغوط سياسيّة، والآخر يعاني من ضغوط اجتماعيّة، ولا يخلوا أحد من الألم، والمعاناة؛ وتعلمون أنّ أولئك الذين لديهم وضع مالي جيّد ينامون بالحبوب المنوّمة، وليس الأمر وكأنّهم مرتاحون على سبيل المثال، والآن يعتقد شخص ما أنّ هذه السبعين والثمانين سنة ستكون سهلة؛ لا، فالراحة في مكان آخر، حيث قال: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [8] من ناحية، و﴿الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [9] من ناحية أُخرى.
كما وقد اعتبر آية الله العظمى الجوادي الآملي أنّه من الممكن أنْ يصل الإنسان إلى درجات عالية في الدنيا وفي الآخرة، وقال: قال الإمام الجواد (سلام الله عليه): «الثِّقَةُ بِاللهِ ثَمَنٌ لِكُلِّ غالٍ وسُلَّمٌ إلى كُلِّ عالٍ» [10] فالوصول إلى الدرجات العالية، ودرجات الجنّة، والدرجات العلميّة، والعمليّة، والتقوى في الدنيا، ودرجات الجنّة في الآخرة، صعبة بالطبع، لكن الإعتقاد والإطمئنان بفضل الله ورحمته ثمن لكلّ بضاعة باهظة الثمن؛ يقول الإمام الجواد (سلام الله عليه): الحصول على الدرجات العالية، والوصول إلى مراتب كمرتبة سلمان، ومرتبة أبي ذر، ومرتبة مقداد، متاح وفي متناول اليد؛ فأنتم لديكم السلّم للوصول إلى هذه المراتب، فلا تقولوا: إنّ سلمان ومقداد قد وصلوا إلى هذه المراتب، ولا نستطيع نحن؛ إذا قلتم: إنّ تلك منزلة مرتفعة جدّاً، فلديكم سلّمها، وهو الثقة والإطمئنان بالله سبحانه وتعالى.
* المصدر: أرشيف جلسة محاضرة آية الله العظمى الجوادي الآملي (11/10/1384 هـ ش) ودرس أخلاق سماحته (26/5/1396 هـ ش)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] «وروى عبدالرحمن بن محمّد، عن كلثم بن عمران، قال: ...فلمّا ولد أبوجعفر عليه السلام كان طول ليلته يناغيه في مهده، فلمّا طال ذلك عليّ عدّة ليال، قلت له: جعلت فداك، قد ولد للناس أولاد قبل هذا، فكلّ هذا تعوّذه؟ فقال: ويحك، ليس هذا عوذة، إنّما أغرّه بالعلم غرّاً» (المسعودي، اثبات الوصيّة: ص 217).
[2] سورة مريم (19): الآية 12.
[3] سورة الزمر (39): الآية 17 ـ 18.
[4] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، النص، ص 456.
[5] «قَالَ لَهُ [عليه السلام] رَجُلٌ أَوْصِنِي. قَالَ عليه السلام: وَتَقْبَلُ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تَوَسَّدِ الصَّبْرَ، وَاعْتَنِقِ الْفَقْرَ، وَارْفَضِ الشَّهَوَاتِ، وَخَالِفِ الْهَوَى، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَخْلُوَ مِنْ عَيْنِ اللهِ، فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُونُ» (ابن شعبة الحراني، تحف العقول، النص، ص 455).
[6] سورة النساء (4): الآية 122.
[7] سورة البلد (90): الآية 4.
[8] سورة الطور (52): الآية 23.
[9] سورة فاطر (35): الآية 34.
[10] المجلسي، بحار الأنوار (ط ـ بيروت): ج 75، ص 364، ح 4.