موقع إسراء الرسميّ: التقى حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي، يوم الاثنين 12 ديسمبر 2022 (17 جمادي الأوّل 1444) بأساتذة وطلّاب مدرسة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) العلميّة بمدينة آمل وألقى كلمة.
وقد أشار حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي في هذا الخطاب إلى الأيّام الفاطميّة وقال: إنّ قضيّة السيّدة الزهراء (سلام الله عليها) قضيّة عجيبة وغريبة جدّاً، إنّها ليست تأريخاً، بل هي عالم من الأحداث ويجب علينا جميعاً لا فقط أنْ نتعرّف على تلك الأحداث الغريبة تأريخيّاً، بل يجب أنْ نجد إلماماً عميقاً کلاميّاً، وفقهيّاً، وسياسيّاً، وإجتماعيّاً بها.
وقد صرّح سماحته: إنّ ذلك الحدث كان أعظم حدث في تاريخ الإسلام بعد رسالة عليّ بن أبي طالب وولايته، وبهذه المناسبة أودّ أنْ أوضّح نقطة حتّى نتوجّه إلى رسالة الحوزات العلميّة اليوم أكثر فأکثر.
وقال سماحته: يجب على الحوزات العلميّة أنْ تجري البحوث والدراسات في المسائل الدينيّة، وأنْ تستكشف جيّداً ما يأتي من جانب الله سبحانه وتعالى باسم الدين، وأنْ تفهمه جيّداً، وأنْ تقدّمه جيّداً، ثمّ تنشره وتروّجه؛ إذا أردنا أنْ نلفت النظر إلى رسالة الحوزات العلميّة اليوم، فعلينا أنْ ننتبه إلى اتّجاهين رئيسيّين وأساسيّين؛ اتجاهٌ واحد مهم والإتّجاه الآخر أهم.
وتابع سماحته: الإتّجاه المهم هو أنْ نجد فهماً فقهيّاً ولائقاً وصحيحاً للدين؛ لذلك فإنّ الرسالة الأساسيّة للحوزات العلميّة هي الفهم الفقهي للدين، وانّ هذا الدين ليس بهذه السهولة: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ [سورة المزمل (73): الآية 5]، فليس من الطبيعي لشخص ما ـ على سبيل المثال ـ أنْ يسمح لنفسه باكتساب الفهم الديني والتحدّث عن الدين؛ يجب إيجاد هذه المسألة كثقافة وكأساس وقيمة في مجتمعنا.
وقد صرّح سماحته: إنّ نضج الحوزات العلميّة هو الوصول إلى جمع سالم کي يقدروا على تقديم فهم شامل في جميع الجوانب العلميّة والدينيّة.
وتابع سماحته في خطابه: إنّ الإتّجاه الأهم الذي يجب على الحوزات العلميّة أنْ تتناوله، هو صيانة الدين من الفهم الغلط، وسوء الفهم، والإنحراف، والتحريف؛ قد يمکن لنا أنْ نجد فهماً صحيحاً للدين، ولكن الإنحرافات، والتحريفات، وسوء الفهم، والفهم الغلط، ونحو ذلك، تفجّر الدين وتمزّقه؛ فإنّ صيانة الدين والثقافة الدينيّة، ومنع حدوث هذه الشرور والإنحرافات في مجال الدين، مهمّة بالغة الأهميّة وأساسيّة، وينبغي أنْ تركز رسالة الحوزات العلميّة على هذا الأمر الآن أكثر ممّا كانت عليه في الماضي.
وقد صرّح حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي أنّه يجب علينا أنْ نتعلّم من قضيّة السيّدة الزهراء (سلام الله عليها)، وقال: يجب علينا أنْ نتعلّم من قضيّة السيّدة الزهراء (سلام الله عليها) لأنّ هذه الزاوية حدثت في تلك القضيّة منذ اللحظة الأُولى من وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وليس فقط في القضايا الإجتماعيّة والسياسيّة، بل في القضايا الثقافيّة، والدينيّة، والعلميّة المتعلّقة بالدين والفهم الديني أيضاً نأى المجتمع بنفسه تماماً عن مبدأه، وقد ابتلى المجتمع بفهم غلط، وانحراف، وتحريف كبير، وحتّى الآن ما زلنا نرى ذلك الضرر.
وفي تطبيق هذه القضيّة وصلتها بالسيّدة الزهراء (سلام الله عليها)، قال سماحته: بعد وفاة النبيّ الأکرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقعت حوادث كثيرة، وأعظم ما حصل هو ما وقع من ظلم للإمامة واغتصاب لخلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ كانت وفاة النبيّ الأکرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) عظيمة لدرجة أنّ السيّدة الزهراء (سلام الله عليها) لم تستمر في الحياة أكثر من 75 يوماً أو 95 يوماً، وخلال هذه الأيّام الـ 75، كان البيت، بيت الحزن، والبكاء، والدموع، والزفرات، ونحو ذلك، وهذه الأحداث کانت تدور حول بيت مَنْ كان الرسول الأکرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) يسلّم عليه وعلى أهله كلّ صباح: «السلام عليكم يا أهل البيت النبوّة»؛ وبهذه الحرمة وهذا الإحترام، أصبح هذا البيت هکذا؛ أحرقوا باب البيت، واقتحموه، وهجموا عليه، وهذه الأحداث عظيمة لدرجة أنّه لا يمكن كتابتها والتعبير عنها.
وتابع سماحته: بعد الأحداث التي وقعت، مرضت السيّدة الزهراء (سلام الله عليها)، وكانوا يأتونها ويعودونها، وأوّل مَنْ جاء لعيادتها السيّدة أُمّ سلمة، فقالت لها: «كَیفَ أَصْبَحْتِ عَنْ لَیلَتِكِ یا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ»؟ قالت: «أَصْبَحْتُ بَینَ كَمَدٍ وَكَرْبٍ فُقِدَ النَّبِي وَظُلِمَ الْوَصِي هُتِكَ وَاللهِ حِجَابُهُ مَنْ أَصْبَحَتْ إِمَامَتُهُ مَقْبَضَةً عَلَى غَیرِ مَا شَرَعَ اللهُ فِي التَّنْزِیلِ وَسَنَّهَا النَّبِي صلّى الله عليه وآله وسلم فِي التَّأْوِیلِ وَلَكِنَّهَا أَحْقَادٌ بَدْرِیةٌ وَتِرَاتٌ أُحُدِیةٌ كَانَتْ عَلَیهَا قُلُوبُ النِّفَاقِ مُكْتَمِنَةً لِإِمْكَانِ الْوُشَاةِ» [المجلسي، بحار الأنوار: ج43، ص156 ـ 157، ح5] وقد حدث هذا؛ لمَنْ حدث هذا الحادث؟ حدث للسيّدةٍ كانت هي في الواقع كلّ الإسلام وحقيقته، كانت تلك السيّدة سامية وعظيمة لدرجة أنّ أحاديث النبيّ الأکرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في شأنها كانت استثنائية؛ «أَلَا إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ سَرَّهَا فَقَدْ سَرَّنِي» [الصدوق، الأمالي: ص104]، «إِنَّ اللهَ تَعَالَى یغْضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ ویرْضَى لِرِضَاهَا» [الصدوق، الأمالي: ص384]، ونحو ذلك؛ يعني أنّ شأن السيّدة الزهراء المرضيّة (سلام الله عليها) ليس شأناً إنسانيّ، بل هو مرتبط بشکل کامل بالشأن الإلهي، وأذاها أذی الله والنبيّ، ورضاها رضا الله والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لكن انظروا أنّ مجتمعاً أو حكومة يقولان: أنا مجتمع متديّن، أنا حكومة دينيّة، ولكن الدين المجسّد ـ أي: الزهراء المرضيّة (سلام الله عليها) ـ في هذا الوضع؛ ماذا تفعلون؟ أصل الدين ـ أي: الزهراء المرضيّة (سلام الله عليها) ـ في بيت الحزن، تمسك بيد الحسن والحسين وتذهب إلى البقيع لتبكي؛ هذا ما حدث، ولقد جاء تيار أيضاً كأشخاص متديّنين للخلفاء، خلفاء الرسول، ومدّعين بالدين، ويعتبرون أنفسهم أصحاب الدين، وتحوّل إليهم قسم كبير من المجتمع وتبعهم، ويشاركهم في صلواتهم بعنوان الدين، ويشارك في مجالسهم، ويمنحهم الإحترام الديني، ويمنحهم ألقاباً وعناوين دينيّة: خليفة الله! خليفة الرسول.
ثمّ قال الأُستاذ مرتضى الجوادي الآملي: إذا أزلنا الدين من مكانه الأصلي، أي: أُخرج من آل بيت النبيّ، وتأتي قراءة أُخرى من الدين إلى جانب الدين الأصيل ـ وهو أميرالمؤمنين والسيّدة الزهراء (سلام الله عليهما) ـ وتُقبل تلك القراءة كدين، كأمر إلهي، وانتهاكها انتهاك لمبدأ الدين، فهذا هو الإنحراف من الدين!! ولقد جرّبنا مثل هذه المسألة في عهد أميرالمؤمنين والسيّدة الزهراء (سلام الله عليهما)، واستمرت هذه القضيّة في عهد الأُمويّين، والمروانيّين، والعباسيّين لألف عام؛ ما جاء في الحقيقة ولوّث الدين بهذه الطريقة، هو سوء الفهم، والفهم الغلط، وخلق مثل هذا الإنحراف فيه حتّى أنّه استمرّ إلى العصر العباسي وحتّى عهد الإمام الحسن العسكري والإمام الثاني عشر (عليهما السلام).
قال سماحته: الغرض من هذه القصّة هو أنّ هذا الإنحراف لم يمنع منذ البداية، وقالت السيّدة الزهراء (سلام الله عليهما) في کلامها هذا: إنّكم أيّها الرجال قد تراخيتم وتباطئتم، فليس لکم تلك القدرة والحركة التي صدرت منکم كمهاجرين وأنصار في بداية حضور والدي في المدينة المنورة، وغرّتکم الدنيا، وأحاطتکم الأرستقراطية وأنتم في هذه العلاقة.
وقد صرّح حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي في نتيجة كلامه: انّ المكان الأكثر ضعفاً حيث يمكن للدين أنْ ينحرف عن موقعه الأصلي هو المكان الذي يجتمع فيه مع القدرة؛ فالقدرة تحوّل الدين بأيّ صورة تريدها؛ انظروا، کيف عاملوا السيّدة الزهراء المرضيّة (سلام الله عليهما)، بحيث وقفوا أمامها بحديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِیاء»؛ وبحديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) على أنّه مَنْ لم يحضر صلاة الجماعة يمکنکم حرق بيته، هجموا على بيت أميرالمؤمنين والسيّدة الزهراء (سلام الله عليهما)، من أين يأتي هذا؟ وبهذا الحديث قتلوا الحسين بن علي (عليه السلام) في كربلاء، وبنفس هذه الأحاديث رفعوا المصاحف على أسنّة الرماح في صفين، وحدث نحوها إلى الأبد.
قال أُستاذ الحوزة العلميّة والجامعة: لدينا مسألة جدّية وهي أنّه إذا لم يتمّ صيانة الدين من سوء الفهم، والفهم الغلط، والإنحرافات، والتحريفات، يصل الدين إلى النقطة التي يتمّ فيها توجيه الضربة الأكبر والأكثر فتكاً إليه؛ فإنّ نصيب القوّة في ضرب الدين وإلحاق الضرر به هو نصيب كبير للغاية.
وقال سماحته في شرحه واجبات الحوزات العلميّة: على الحوزات العلميّة أنْ تجهّز نفسها بحيث لا تسمح لخروج الدين من حدّه الإعتدالي أو من موقعه الأصلي؛ لا في مجال الفهم أنْ يأتي هناك فهم غير صحيح؛ ولا في موقع الصيانة والحصانة الذي نريده الآن فيما يتعلق بالدين، والقدرة والحكومة التي أبدعها أشقياء السقيفة وأخذوا الدين في خدمتهم؛ لذلك، فإنّ الدين الأكثر كرهاً وبشاعة وأسوأ ما يمكن أنْ يثير اشمئزاز المجتمع هو الدين الذي يوضع بجانب القدرة ويصبح تفسيره بيد القدرة وتجاهها؛ والمقصود من هکذا تفسير، هو أنّ حکومة مثل حکومة يزيد، والأمويّين، العباسيّين تأتي وتخلق مثل هذه المآسي بتوظيف الدين.
وقد صرّح سماحته: إنّ دور علماء الدين ـ كما سار أهل البيت (عليهم السلام) ـ هو أنّ نتمكن من جعل صيانة الدين، وعدم تعرّضه للإنحراف، والفهم الغلط، وسوء الفهم، كرسالة عامة لنا.