موقع إسراء الرسميّ: بدأ المؤتمر العالمي الأوّل لـ: «الفارابي والثقافة والحضارة الإسلاميّة» ببيان من سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في مؤسسة الدراسات الثقافيّة والاجتماعيّة التابعة لوزارة العلوم في طهران.
وقد أعرب سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في هذا البيان عن تقديره وشكره لمنظمي هذا المؤتمر العالمي، وقال: إنّ موضوع مؤتمر إحياء ذكرى أبونصر الفارابي واسع جدّاً وذو نطاق، ومن المؤمل أنْ يتكرر هذا حتّى تتعرّف وتروّج جميع الجوانب العلميّة لهذا الحكيم العظيم والمتألّه الكبير الإسلامي أكثر من أيّ وقت مضى.
وببيان من سماحته على أنّ الفارابي بدأ التوحيد الإلهي من معرفة الله نفسه، قال: إنّ الخطوة التي اتخذها جناب الفارابي هي أنّه في الأجزاء العلميّة أدرك وحدة الله سبحانه وتعالى من وحدانيّته؛ لأنّ إصرار الروايات الدينيّة النابعة من بركة أهل البيت (سلام الله عليهم) هي أنّه اعرفوا الله سبحانه وتعالى بإلهيّته؛ وعلى الرغم من أنّ صدر وجذع العالم هما آيات الله سبحانه وتعالى، إلّا أنّ معرفة الله سبحانه وتعالى من طريق الله نفسه هو أفضل طريق، وقد بدأ جناب الفارابي التوحيد الإلهي من معرفة الله نفسه؛ فهو وصل إلى وحدته تعالى من طريق كونه أحداً وبسيطاً وصرفاً، لأنّ الله هو صرف الوجود والوجود المحض و«صرف الشيء لا یتثنّى ولا يتكرر».
وقال سماحته: هذا البرهان التوحيدي لجناب الفارابي، أي: الوصول من كونه أحداً إلى كونه واحداً، ومن كونه بسيطاً وصرفاً إلى كونه نزيهاً عن الشراكة، هو برهان ممتاز للفارابي.
وذكر سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي: أنّ بيان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) المنير في توحيد الحق هو أنّه لأنّ الله سبحانه وتعالى أزلي فهو غير محدود، وإذا كان تعالى غير محدود فهو لا يترك مجالاً للغير، وهذه هي الخطوة الأُولى التي اتخذها أبونصر الفارابي.
تعريف العلّامة الطباطبائي البليغ عن الفارابي
وقال سماحته: إنّ سيدنا الأُستاذ المرحوم العلّامة الطباطبائي كان له تعريف بليغ عن الفارابي، وكان يقول: إذا لخصنا المرحوم أبوعلي بكلّ مكانته العظيمة في مجال العقل والفكر، وصدر المتألهين بكلّ أطماعه في العقل والفكر، فسيكون مستخلصهما هو الفارابي؛ إلى هذه الدرجة كان معتقداً بالفارابي.
وقد اعتبر سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي أحد المؤشرات الأُخرى للفارابي هو شرح الصدر، وقال: المطلب الآخر عن الفارابي هو شرح الصدر، وشرح الصدر هو أنّه يعيد الكثرة إلى الوحدة مهما أمكنه، ويفصل بين جهات الانقسام ويعتبر ذلك الأصل المشترك واحداً، ويعيد هذه الوحدة إلى الوحدانيّة، ويعيد أيّ نوع من الكثرة إلى الوحدة باستثناء الكثرة التي تنشأ من هوى النفس؛ فجناب الفارابي جمع بشرح صدره بين العلم الحصولي والحضوري، وبين البرهان والعرفان، وبين النظر والبصر، وأوصلها إلى مكان واحد؛ طبعاً الفروع الفكريّة محفوظة في مكانها، لكن شرح الصدر هذا يتطلب أنْ يجمع بين هذه كلّها.
وببيان من سماحته على أنّ الفارابي هو المعلّم الأوّل في المجالات الإسلاميّة، قال: الفارابي لا فقط أنّه المعلم الثاني في تعليم العلم، بل هو المعلّم الأوّل في المجالات الإسلاميّة بالنسبة للجمع السالم للآراء؛ فمن الممكن أنْ يجمع شخص ما بين أفلاطون وأرسطو، ومن الممكن أنْ يجمع بين العرفان والبرهان، ومن الممكن أنْ يجمع بين العقل والنقل، ولكن كلّ هذه الأُمور هي جمع مكسر، فمَنْ كان قد جمع بينها بالجمع السالم، ولم ينقص من العقل ولا من النقل، ولم ينقص من العرفان ولا من البرهان، ولم ينقص من الشهود ولا من الحصول، ولم ينقص من النظر ولا من البصر، فهو أبونصر الفارابي.
وتابع سماحته: إنّ جامعيّة الفارابي وشرح صدره جعلته يجمع بين آراء أفلاطون وأفلوطين وأرسطو وأمثالهم، فمثل هذا الشخص يصبح معلّماً؛ يعني أنّه يربّي مثل شيخ الإشراق الذي جمع بين العرفان والبرهان، ويربّي مثل صدر المتألهين الذي جمع بين المشاء والإشراق والعرفان والبرهان، وربّى سائر الحكماء أيضاً لكي يتصدّوا للجامعيّة؛ فكونه معلّماً يعني عرض الأسلوب والطريقة على المستوى العام، وكذلك القيادة على المستوى العام، فهو إمام للفلاسفة القادمين، وهو أعظم مفكّر للفلاسفة اللاحقين.
وقال سماحته في جزء آخر من هذا البيان: المطلب الآخر الذي جاء به جناب الفارابي، هو أنّه قال: ما لم يكن الإنسان حرّاً فلا يستطيع أنْ يحرّر الدولة والشعب، أو يراهما أحراراً؛ إنّ حرّية الإنسان تكمن في أنْ يحكم العقل وليس الوهم والخيال، وقول المرحوم الفارابي هو أنّ على هذا العقل أنْ يربّي الخيال والوهم مهما أمكنه حتّى يكونا في خدمته ومن تلامذته، وقول جناب الفارابي الرفيع هو أنّ العاقل مادام مستيقظاً يمنع الوهم والخيال، ولكن إذا نام الإنسان لا يعمل العقل أثناء نومه، بل يبدأ الخيال في العمل.
وبذكر من سماحته على أنّ المرحوم الفارابي يرى أنّه إذا نام العقل فهذه الحرّية ليست بحرّية مطلوبة، قال: إذا نام عقل المجتمع، أو عقل الحوزة العلميّة، أو عقل الجامعة ـ لا قدر الله تعالى ـ، سيقوم الخيال بنشاطه، كما هو كذلك في النوم؛ فإذا نام عقل المجتمع، أو نام قادة المجتمع، أو لا يكونوا موجودين، أو لا يكونوا نشطين، أو يعملوا قليلاً، أو لا يكونوا مطاعين، أو تكون قيادتهم ضعيفة، فحينئذٍ يكون الخيال في الميدان، ويكون الإنسان عندها مختالاً، وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [1]، والإنسان الذي يسير في عالم الخيال، ويطالب بالحرّية بلا عقل، فهو ليس محبوباً عند الله سبحانه وتعالى.
وببيان من سماحته على أنّ الحرّية ليست في الخيال، وإنّما هي في العقل، قال: إنّ جناب الفارابي قائل بالحرّية للعقل؛ لأنّ العقل نفسه حر، ولا يقبل الجهل العلمي ولا الجهالة العمليّة، وهو سلطان الفكر، وأينما وجد العقل فالفكر صائب، وإذا نام العقل، أو كان في حال النوم، أو كان الإنسان نائماً، فالخيال يسير في عالمه ويتخيّل؛ وعند ما يذكر القرآن الكريم العقل بمجد وجلال، ترون أنْ لا شيء يُعظّم ويُحترم إلى هذا الحد.
وقال سماحته: قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: لقد أرسلنا الرُسُل ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [2]، أي: أرسلنا الرُسُل حتّى لا يعترض الناس عليّ أنا الله، بعد الموت، ولا يحتجّوا عليّ أنا الله، ولا يقولوا لي أنا الله: أنت كنت تعلم أنّنا سنأتي إلى مثل هذا المكان بعد الموت، فلماذا لم ترسل لنا دليلاً ومرشداً؟ إنّ العقل الذي يمكنه أنْ يقف أمام الله سبحانه وتعالى، فهو هذا العقل! لا أنّ العقل لا يحق له أنْ يتكلّم أمام المعصوم (سلام الله عليه)، بل يمكن لهذا العقل أنْ يحتجّ على الله سبحانه وتعالى، والفارابي هو تلميذ هذا الكلام، يقول: عند ما ينام العقل يقوم الخيال بنشاطه.
يشار إلى أنّ مؤتمر «الفارابي والثقافة والحضارة الإسلاميّة» العالمي يستمر حتّى يوم الجمعة 12 من شهر اسفند (3 مارس 2023 الموافق لـ: 10 شعبان المعظم 1444).
شاهدوا الفيديو الكامل والصوت للبيان من هنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة لقمان (31): الآية 18.
[2] سورة النساء (4): الآية 165.