الخامس والعشرون من شهر رجب هو ذكرى استشهاد الإمام السابع لشيعة العالم وموالیه الحقيقيين، الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه)، وهو إمام كشف باستشهاده ـ وهو متعرّض للمظلوميّة ـ صفحة أُخرى من جرائم وخيانات النظام العباسي، وبفقدانه أغرق مدينة كاظمين بالحزن والأسى.
قال آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في جزء من خطابه ـ في ضمن الإشارة إلى سيرة الإمام الكاظم (سلام الله عليه) العمليّة وحكّام عصره ـ:
لقد قضى الإمام السابع (سلام الله عليه) جزءاً من حياته المباركة في حياة والده الكريم الإمام الصادق (سلام الله عليه) مع منصور الدوانيقي، وبعد استشهاد الإمام الصادق (سلام الله عليه) قد ابتلى أيضاً بسياسة منصور الدوانيقي المشئومة لسنوات عديدة، وبعد موت منصور الدوانيقي قد ابتلى أيضاً بسياسات مهدي العباسي المشئومة، وبعده قد ابتلى أيضاً بسياسات هارون الرشيد العباسي الإجراميّة.
لقد استطاع الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه) أنْ يحل كل هذه المقاطع الزمنيّة بذكائه الولائي؛ كانت هذه هي الأجزاء السياسيّة المرتبطة بالإمام السابع (سلام الله عليه). لقد شكّل الإمام الكاظم (سلام الله عليه) مدارس دينيّة قويّة وغنيّة، وقد استكشف الطلّاب المستعدين، وربّى العديد من التلامذة، وقد أصبح الكثير منهم من رواة الأحاديث، وأصبحوا من العلماء العظماء، وأصبحوا من المحدثين، وأصبحوا من المفسرين، وما إلى ذلك، وكان أحد هؤلاء التلامذة اسمه هشام بن الحكم.
وبالإستناد من سماحته إلى أقوال الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه) المنيرة، أشار إلى ضرورة التخطيط في ساعات الليل والنهار، وقال:
أوّلاً) مناجاة الربّ
نحن الحوزويّون أو السادة الجامعيّون، كيف يجب أنْ نخطط؟ قال الإمام السابع (سلام الله عليه): هل يمكن للإنسان أنْ يعيش بلا خطة؟! يعني هل يمكن لأحد أنْ يسير بلا هدف ويعيش بلا خطة ثمّ يقول إنّني من شيعة الإمام السابع (سلام الله عليه)؟! قال (سلام الله عليه): إنّه إذا كنتم تريدون التخطيط، فيجب أنْ يكون وقت راحتكم معيّناً أيضاً، وينبغي أنْ تكون خططكم الأُخرى معيّنة أيضاً حتّى تتمكنوا من إنجاز أعمال أُخرى من خلال تلك الخطط؛ ولم يقل أبداً: تخلوا عن الراحة، قال الإمام الكاظم (سلام الله عليه): «اجتهدوا في أنْ یكون زمانُكم أربع ساعات»؛ أي: حاولوا تقسيم الليل والنهار إلى أربعة أجزاء (لا یعني الساعة، أي: الستين دقيقة، بل یعني أربعة أجزاء) «ساعة لمناجاة الله» [1]؛ أي: خصّصوا جزءاً من الليل والنهار لمناجاة الله، لأنّ حاجاتكم عنده وهو الذي يدير كلّ هذه الأُمور في الدنيا والآخرة.
ثانياً) السعي لتأمين المعاش
قال (سلام الله عليه): »وساعة لأمر المعاش«؛ أي: وساعة اذهبوا فيها للعمل والتجارة. إذا أراد مجتمعنا أنْ يكون مرتاحاً، وإذا أراد نظامنا أنْ يكون مرتاحاً، فوفقاً لتوصيات أميرالمؤمنين (سلام الله عليه)، يجب أنْ يكون لدينا هذين الأصلين: أحدهما الجهد في الإنتاج، والثاني القناعة في الاستهلاك؛ يرتاح المجتمع ويكون مكتفاً ذاتياً ولا يكون لديه [المزيد من] الواردات، عند ما يبذل الجهود في الإنتاج أوّلاً، ويكون قانعاً في الاستهلاك ثانياً؛ قال أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) ذيل هذه الآية من سورة النحل المباركة التي تقول: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [2]: الحياة الطيبة هي القناعة [3] ففي هذه الحالة لا يمد الإنسان يده إلى أحد، ولا يوجد بلد قانع وهو يحتاج إلى أجانب، وهذا يكون مكتفاً ذاتياً ومريحاً؛ إذاً هذا جزء من العمل وهو تأمين المعاش.
ثالثاً) المعاشرة مع الأصدقاء الصالحين
«وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذین یعرفونكم عیوبكم ویخلصون لكم في الباطن» [4]؛ أي: وكونوا ساعة مع الأصدقاء أيضاً؛ فأنتم لديكم جمعيّة، ولديكم أصدقاء، ولديكم تزاور، ولديكم صداقة، والمجتمع تديره هذه المحبّة؛ وهناك كلام منير من الإمام الصادق (سلام الله عليه) حيث قال: «تَزَاوَرُوا فَإِنَّ فِي زِيَارَتِكُمْ إِحْيَاءً لِقُلُوبِكُمْ وذِكْراً لأَحَادِيثِنَا وأَحَادِيثُنَا تُعَطِّفُ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ» [5]؛ أي: قال (سلام الله عليه): اذهبوا لزيارة بعضكم البعض، ولا تتركوا بعضكم البعض، وليكن لديكم تزاور، إذا كان لدى أحدكم نقطة ضعف فأخبره بهدوء، وأخبروه بصوت منخفض، ولا تقولوا ذلك أمام الآخرين، وتصرّفوا في الباطن مع هؤلاء بصدق وإخلاص؛ لأنّكم شيعتنا، وفي المجلس الشيعي يتمّ عرض أحاديثنا، وكلامنا يجلب العواطف؛ فالحياة الداخليّة يتمّ صيانتها من خلال تلك العواطف والآداب، والمجتمع يُصان من خلال تلك الآداب، والأُمّة تُصان من خلال تلك العواطف والمودّة، وإلّا فإنّ أيّ شخص كان يريد أنْ يدعي الاستقلال ويكون سيء الخلق في المقابل، فلن ينتظم المجتمع في هذه الحالة؛ قال الإمام السابع موسى بن جعفر (سلام الله عليه): اقضوا جزءاً من أربعة أجزاء من الليل والنهار مع إخوانكم المؤمنين من أجل التواصل والانسجام والعواطف والمودّة.
رابعاً) التمتع باللذات المحلّلة
«وساعة تخلون فیه للذاتكم في غیر محرّم» [6]؛ أي: خصّصوا جزءاً من حياتكم للنوم، والأكل، والراحة، واللذة، ومباشرة الزوجة، وما إلى ذلك؛ فهذه الهداية من الأئمّة (سلام الله عليهم) توفر دنيانا وآخرتنا.
تنوير الإمام الكاظم (سلام الله عليه) ضد إغراء سندي بن شاهك العوام
وفي النهاية تطرق سماحته إلى مأساة باب الحوائج الإمام السابع (سلام الله عليه) وأشار في كلماته إلى استنارة الإمام الكاظم (سلام الله عليه) ضد إغراء سندي بن شاهك العوام، وقال:
وحيث أنّ اليوم هو يوم مصيبة الإمام السابع (سلام الله عليه)، انظروا ماذا حدث لذلك الإمام (سلام الله عليه)! كان سندي بن شاهك اللعين جسوراً في تسميم الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه)، فلمّا تأكّد من أنّ الإمام (سلام الله عليه) قد تسمّم، وسيستشهد ويفارق الدنيا، قال للإمام (سلام الله عليه) خداعاً للعوام: أنا عندي كفن، فهل تسمح لي أنْ أكفنك به؟ لقد فهم الإمام (سلام الله عليه) إغراءه هذا للعوام، وقال: «إنّا أهلُ بیت مُهور نسائنا وحج صرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفن» [7]؛ أي: قال (سلام الله عليه): نحن من أهل بيت عند ما نذهب إلى مكة للحج فهو من مالنا الحلال الخالص مأة بالمأة، والمهور التي نعطيها لأزواجنا فهي من مالنا الحلال الخالص مأة بالمأة، وأكفان موتانا هي من مالنا الحلال الخالص مأة بالمأة، وأنا لدي كفن؛ أي: أنّ ابني ـ وهو الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (سلام الله عليه) ـ سيأتي ويكفني في ذلك الكفن.
«السلام علیكم یا أهل بیت النبوّة، ویا معدن الرسالة، ویا مهبط الوحي، ویا مختلف الملائكة»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: جلسة درس أخلاق آية الله العظمى الجوادي الآملي (17 / 4 / 1389 هـ ش)
[1] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 409.
[2] سورة النحل (16): الآیة 97.
[3] نهج البلاغة، الحکمة 229.
[4] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 409.
[5] الكليني، الکافي (ط ـ دار الكتب الإسلاميّة): ج 2، ص 186، ح 2.
[6] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 409.
[7]الشیخ المفید، الإرشاد: ج 2، ص 243.