22 04 2017 276101 بطاقة تعريف:
image
آية الله الفيلسوف جوادي آملي

بين دام ظله خلال هذا اللقاء حقيقة مفادها: أن العالم والمعلوم مخلوقان لله سبحانه وتعالى, أما العلم فهو فيض منه جل وعلا

بعد ذلك تعرض سماحته الى إمكان أسلمة الجامعة فأفاد في ذلك قائلاً: إن ما نريد قوله والتنبيه إليه في هذا المحفل المبارك هو أننا قادرون على أسلمة الجامعة شريطة أن يكون الرافد ومصدر الإلهام لنا في ذلك هو القرآن الكريم والعترة الطاهرة.

علما أن الحوزة والجامعة إذا ما سارتا وفقاً للمنهج الذي حدده القرآن والعترة الطاهرة فإن المجتمع سوف يكون حينئذٍ في مأمنٍ تامٍ من أي خطرٍ محتمل.
وينبغي أن يعلم كذلك بأننا لو تحركنا وسرنا وفقا للاتجاه الذي عليه العالم اليوم فذلك يعني أن كل أسرار العالم سوف تكون في خدمتنا وصالحنا, أي أنها سوف تتحد وتتوافق مع مراداتنا ومقاصدنا.
أما ـ لا سامح الله ـ  لو تحركنا وسرنا خلافاً لمسير العالم وحركته فإن الزمان والمكان بل العالم كله سوف يكون ضدنا ولا يلبي لنا شيئا من مصالحنا.
وهذان المطلبان لابد أن يبينا بصورة أكثر دقةً ووضوحاً فنقول: لا يمكن لأي موجود من الموجودات في عالم الامكان الاستغناء عن ذكر الله سبحانه وتعالى, بل كلها في ذكر دائم له جل وعلا .
وهذا المعنى تشير اليه وتوضحه طوائفٌ خمس من آيات كتاب الله العزيز تشترك جميعها في بيان حقيقة مفادها: أن موجودات هذا العالم لا تفتأ حتى لآنٍ واحد عن ذكر خالقها وبارئها, ولا يوجد منكر لذلك قط, وهذه الطوائف هي:
1ـ الآيات المشيرة الى تسبيح الموجودات له: وهي آيات غير قليلة, قد أتت على صورٍ وهيئاتٍ متعددةٍ, منها:  ما أتى بصيغة الأمر كقوله تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ومنها: ما أتى بصيغة الماضي كقوله تعالى {سَبَّحَ لِلَّهِ.... } ومنها: ما أتى بصيغة المضارع كقوله تعالى{يُسَبِّحُ لِلَّهِ... } ومنها: ما أتى بصيغة المصدر كقوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}, وهذه الآيات تكشف بوضوح أن ما من موجود ـ سواء كان في الأرض أو السماء ـ  الا ويسبح بحمده جل شأنه.
2ـ الآيات المشيرة الى سجود الموجودات له: وهي غير قليلة أيضاً, وقد أتت بأكثر من صيغة كذلك, وذلك كقوله تعالى {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أي أن الكل خاشع وخاضع له سبحانه وتعالى, و كقوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}.
3ـ الآيات المشيرة الى تسليم المخلوقات وانقيادها له: وذلك كقوله تعالى {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.
4ـ الآيات المشيرة الى إطاعة الموجودات وعبوديتها له: وذلك كقوله تعالى {فقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أي نعبدك عن طاعة ورغبة  وشوق.
5ـ الآيات المشيرة الى حمد الموجودات وثنائها له: وذلك كقوله تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}.
وبذلك يعرف أن مساعي الأنبياء وجهودهم إنما كانت لبيان حقيقتين مهمتين هما:
الأولى: تفهيم الانسان وإعلامه بأن كل موجودات عالم الامكان في تسبيح وحمد وثناء دائم لله سبحانه وتعالى, وأن العبودية له وحده دون غيره من المخلوقات.
الثانية: رفع الغشاوة عن أبصارنا وأسماعنا وتهيئتها لسماع تسبيح الخلق وذكره لله.
ومما ينقل بهذا الصدد أن كلا من الشيخ الطوسي والعلامة الزمخشري وهما من كبار علماء الإسلام قد نقلا قصة مفادها أن الرسول الأكرم (ص) وقبل أن يتوج بمقام النبوة والرسالة كان حينما يمر بمكانٍ ما يُبادَر بالسلام من قبل حجرٍ كان ملقىٍ في ذلك المكان, وكان (ص) يقول ـ وفقا لما ينقله هذان العالمان ـ ( إني لأعرفه الآن) أي ذلك الحجر.
فينبغي أن يُعلم ويُعرف أن هناك من البشر من هو قادر على سماع تسبيح الموجودات, وهذا يعني عدم وجود مخلوق ـ في السماء والأرض ـ غير خاضع لله سبحانه وتعالى أو لأوامره.
لذا فإننا إن وحدنا المسير مع هؤلاء فلا شك في أننا سوف نكون معهم في قافلة واحدة وسوف يكون كل شيءٍ حينئذٍ تحت أمرنا وطاعتنا.
أما إذا لم نكن كذلك فلا شك أن الجميع سوف يتألب ضدنا ؛ مما يجعل بعضنا ـ أحياناًـ  يعيش الإحساس بالوحدة و عدم الإحساس بالأمن والاستقرار سواء كان ذلك البعض في بيته أو محل عمله أو أي مكان آخر.
الأمر الآخر الذي يستدعي البيان والإيضاح هو: أن  الملاحظ وبحسب الظاهر أن الحوزة والجامعة  يقصدان التحرك والسير وفقاً للأسس والضوابط الدينية, الا أن ذلك غير كافٍ بحسب الحقيقة؛ لأن أسلمة الجامعة لا يكون الا بأسلمة علومها ومعارفها, ومجرد وجود المسجد في الجامعة وقراءة الدعاء فيها أو وفصل الجنسين عن بعضهما ـ وإن كان ذلك أمرا طيباً ومحموداً ـ لا يجعل منها جامعةً إسلامية البتة؛ لأن الحقيقة المشروط تحققها لأسلمة الجامعة هي أسلمة علومها ومعارفها, فما لم تكن علوم ومعارف الجامعة إسلامية لا يمكن للجامعة أن تكون إسلامية أيضاً.
علما أن العلوم والمعارف حينما تكون إسلامية فإنها سوف تكون في ملاذ الدين وحمايته.
الا أننا يمكننا أن نتسائل هنا بما مفاده: كيف يكمننا أن نجعل من النصوص أو المعارف أو العلوم نصوصاً ومعارفاً وعلوماً دينية؟
ما ينبغي التوجه إليه أولاً الى أن إلصاق شعاراتٍ دينية كشعار الجمهورية الإسلامية أو صورٍ كصور العظماء والقادة أو كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) على الكتب الدرسية لا يجعل منها كتباً أو علوماً و معارفاً دينيةً؛ لأن حقيقة أسلمة الجامعة بأسلمة علومها ومعارفها كما أسلفنا قبل قليل.
نعم الموارد المذكورة أعلاه تجعل من الطالب الجامعي مسلماً مقيماً للصلاة وللواجبات الإسلامية الأخرى ونحو ذلك من الأمور.
 بعد ذلك انتقد العلامة جوادي آملي القائلين بعلمنة العلوم فقال:
يعتقد البعض بعلمنة العلم والمعرفة, الا أن الحقيقة ليس كذلك؛ لأن العلوم التي هي من قبيل الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا ( علم طبقات الارض) وعلم البحار وعلم الفلك وعلم الفضاء لا يمكن نعتها أو وصفها بأنها علمانية و غير علمانية أو إسلامية و غير إسلامية؛ لأن الملاك الذي يجعل منها كذلك غير متوفر ومتحقق فيها, فهي لا بشرط من كونها كذلك ـ علمانية أو إسلامية ـ , علما وكما هو واضح لكل متابع أن العلوم المذكورة أعلاه موجودة عند المسلمين وعند غيرهم.
وهذا يكشف عن أن الاعتقاد بعلمنتها اعتقادٌ مجانب للحقيقة والصواب؛ إذ لا يمكن لأي منها أن يقرر لنفسه أنه ديني أو لاديني, لكونه لا بشرط من ذلك.
فعلم الجيولوجيا مثلاً لا يمكنه أن يدعي لنفسه ذلك؛ لكونه علمٌ محدد يدور البحث فيه عن حقيقة أسمها الأرض فهو يتحرى ويبحث عن حقيقة كروية الأرض, وعن مقدار مساحتها وقطرها, وكم هو محيطها وعدد طبقاتها, وعن ظاهر تلك الأرض وباطنها, وعن كيفية إمكان الاستفادة منها.
أما البحث عن وجود وعدم وجود الهٍ لهذا الكون فهو ليس من اختصاص وشأن علماء هذا العلم ـ الجيولوجياـ  بل هو من اختصاص علم آخر؛ لذا لا يمكنهم, بل لا يحق لهم إبداء الرأي في إثبات وجود الإله أو التشكيك فيه أو القول بعدمه.


دیدگاه شما درباره این مطلب
أضف تعليقات