خصّص سماحة الأستاذ الشیخ مرتضی الجواديّ الآمليّ (حفظه الله) دروسه من الأسفار في الیومین الأولین من شهر "خرداد" بموضوع الحیاة العلمیّة لصدر الدین الشیرازي تزامناً مع ذکری ملا صدر الدین (صدر المتألهین).
أردف سماحة الشیخ مرتضی الجواديّ الآمليّ قائلاً: إنّه یمکن تحلیل شخصیّة ملا صدرا في ثلاثة فصول؛ الفصل الأول: وهو ما یتعلّق بما قبل حیات صدر الدین الشیرازي (ملا صدرا) وتلك البرهة التي انبرت فیها المناهج العلمیّة المختلفة ونشأت نحل شتّی في عدّة مجالات من علوم الفلسفة، والعرفان، والتفسیر، وسائر العلوم التي کانت موجودة قبل ولادة صدر الدین الشیرازي (ملا صدرا)؛ فلم یحلل هذا العصر بدقّة عالیة إلّا صدر الدین الشیرازي نفسه، فآثاره حاکیة عن کونه محققاً في أحوال من جاء قبله من الشخصیات العلمیّة وتطرّق إلی آرائهم بعمق فجعلها مورداً للتدقیق بإشراف المباني التي کان یمتکلها.
نعم؛ وإن اختلفت معاملته مع بعض من الشخصیات الممتازة کإبن سینا، والحکیم السهروردي، الفارابي، والمحقّق الطوسي، وإبن عربي، فأحلّهم عنده في أعلی محالّ الاحترام والتبجیل ولکنّه تتبّع في جمیع آثار السلف المتقدّم علیه.
أشار الأستاذ مرتضی الجواديّ الآمليّ أنّه لم یکن من العلم شيءٌ إلّا والتفت إلیه صدر المتألهین وأبدی رأیه حوله؛ فانتقد وحلّل کلّ مسألة عظیمة هامة تستطیع أن تجلب سیر المجتمع الفکري فکان یدقّق في جمیع الآراء بقلمه القاطع ورؤیته المنتقدة؛ فلابدّ أن یلتفت أرباب التدریس وذوو التحقیق إلی هذه البرهة من حیاة هذه الشخصیة.
وأمّا الفصل الثاني فهو متعلّق بحیاة صدر المتألهین منذ ولادته إلی وفاته والذي هو فصل معقّد فیلزم أن نلتفت إلیه التفاتاً خاصّاً.
قال سماحته: إنّ صدر المتألهین دخل إلی ساحة العلم بکلّ جلاته وعظمته؛ إنّه بما کان یمتلك من الموقعیّة المالیّة المطلوبة فکان یملك مکتبة غنیّة خاصة به ومضافاً إلی ذلك فهو کان في نفسه شخصیة ممتازة فحظي مضافاً إلی الزکاوة بمعنی الأخلاق والتربیة الخاصّتین علی الذکاوة بمعنی مستوی الفهم العالي أیضاً.
بعد هذا کلّه فتتلمذ عند أساطین الحکمة وجلس علی مائدة أعاظم هذا العلم نظیر الفارابي، وإبن سینا، والمحقّق الطوسي، وسائر مُباحثیه الذین کان کلّ واحد منهم مربیّاً لمن کان یودّ أن یحکم بنیانه؛ فکلّ ذلك مغتنم ومبارك ولقد نال کلها صدر المتألهین فأنشأت هذه الأمور منه رجلاً عظیماً.
وبیّن الأستاذ (دامت معالیه): إنّ من الذین ترعرع صدر الدین الشیرازي عندهم رجلین قد أدّیا دوراً أساسیّاً في حیاته أکثر من سائر أساتذته؛ وهما: المرحوم شیخ الإسلام لشیخ البهائي، أستاذه في العلوم النقلیة، والآخر المرحوم میرداماد، الأستاذ الثالث للعلوم النقلیة لسماحته.
فنوع معاملته مع هذین العَلمین ینبئ عن مدی عظمة هذا التلمیذ ومستوی مکانتهما الرفیعة عنده؛ فعلی رجال الحوزات العلمیة أن یبذلوا قصاری جهدهم کي یُعرف هؤلاء الأساتذة وأساطین الحکمة ومنه نتمکّن أن نعرّفهم للمجتمع بشکل صحیح.
أشار الأستاذ مرتضی الجواديّ الآمليّ (دامت إفاضاته) إلی أهمّ أحداث حیاته العلمیة فقال: إنّ أهمّ الأحداث وأروع القضایا التي حصلت لصدر الدین الشیرازي الذي یمکن أن یُسجّل أنّ صدر المتألهین فاق واعتلی ممن سبقه من الأساطین فلم یقیّده فکر ولم یحصره منهج.
إنّ أهمّ ما وقع في حیاته بعد الاطلاع والوقوف علی هذه العلوم وسلطته علی أفکار من تقدّم علیه في هذا العلم هو تأسیس مکتب حدیث والذي لم یسبقه نظیره ولم یلحقه مثیل؛ فصار کبار الحکمة یفتخرون بکونهم جالسین علی مائدة هذا المکتب.