تکلّم سماحة آیة الله الشیخ عبدالله الجواديّ الآمليّ (دام ظلّه) في یوم ولادة السیدة فاطمة المعصومة (سلام الله علیها) في مجمع أساتذة الحوزة العلمیة الثالث والعشرین والذین هم من کبار حوزة قم العلمیة.
بعد ما قام سماحته بالتبريك بمناسبة أیام عشرة الکرامة المبارکة أشار (حفظه الله) إلی کون أیام عشرة الکرامة تکراراً لخواطر نزول القرآن الکریم؛ وإنّ لغة "الکرامة" لیس لها معادل فارسي؛ إنّ للعربیة هذه الخصیصة بأن تکون ترجماناً لجمیع اللغات ولا یتمکّن غیرها أن یکون ترجماناً لها؛ فإنّه قال الإمام الباقر (علیه السلام) بقوله النوراني في تفسیر قوله تعالی:«عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ»؛یبیّنه الألسن ولا تبیّنه الألسن»؛ فإنّ العربیة متمکنّة أن تکون ترجماناً لأيّ لغة من اللغات ولکنّ غیرها من اللغات فلیس لها القدرة أن تصل إلی منزلة أدب العربي المبین.
قال سماحته (دام ظلّه):إنّ "الکریم" غیر "الکبیر" و"العظیم"؛ فلا یوجد في الفارسیة لفظ یترجم معنی "الکرامة"؛ وإنّما هذه من خصائص القرآن المبین الذي قال:«إنّ مجری القرآن مجری الکرامة»؛ فإننا نقرأ في سورة عبس:«بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ»؛ فإنّ طریق الکرامة یسلکه هذا الکتاب الکریم؛ وإنّ القرآن کریم وأیام الکرامة شرح لهذا المعنی.
قال سماحته (مدّ ظلّه): إنّ الکریم یفعل ما لا یقدر علیه غیره؛ وإنّ الله تعالی یذکر للقرآن أوصافاً یکون بعضها من الأوصاف المتوسطة؛ ویکون بعضها الآخر من الأوصاف الممتازة؛ ففي سورة البقرة المبارکة وفي غیرها من السور المبارکات من القرآن الکریم قال بالکرامة:«وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ»؛ فإنّ معناه واضح تقریباً.
قال هذا المفسّر الکبیر: وأمّا القسم الثالث والقسم الرابع العائدان إلی أصل واحد فیتطرقان إلی ذکر أحدث إنتاجات القرآن الکریم وهي الکرامة الجدیدة؛ أي: سوی الأمر الأوّل:«وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ»؛ والقسم الثاني:«وَالْحِكْمَةَ»؛ قال للناس: إنّنا أتینا بکلام جدید لم تجدوه تحت هذه السماء؛ والأمر الثالث: إنّه علی الجمیع الخضوع أمام القرآن الکریم مهما بلغوا من القوی ولیس لهم طریق آخر حیث إنّه قال القرآن الکریم:«وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»؛فإنّ في هذا الکون المنفيّ شحناً سلبیاً بمعنی أنّه لو ذهبتم إلی الغرب والشرق ولو بلغتم السماء ونزلتم إلی الأرض فإنّ الکلام الذي یقوله القرآن الکریم لا یقوله غیره وأنّکم لن تکونوا الذین تتلقون هذه المعاني بالتحقیق والتجربة؛ نعم إنّها أتت من الغیب وسلکت طریق الکرامة المربيّ للکرماء؛«وَيُعَلِّمُكُم»؛ لا:"ویعلمکم ما لا تکونوا تعلمون" بل:«وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ».
أشار سماحته العلامة الشیخ عبدالله الجواديّ الآمليّ (دام ظلّه): إنّ في القسم الرابع الذي یتعلّق بوجود النبيّ الأکرم (صلّی الله علیه وآله) المبارك حیث قال تعالی له:إنك نقطة کلّ الکون ولیس لك نظیر ولکنك لم تکن بنحو تستطیع أن تتعلّم هذه المعاني في مکان آخر؛ ولهذا نقرأ في القرآن الکریم قوله تعالی:«مَا كُنتَ تَدْرِي»؛ وفي آیة أخری قوله تعالی:«وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ»؛ فهذا «لم تکن»؛ نزل في شأن النبيّ الأکرم (صلّی الله علیه وآله) فقال به أنت الذي أصبحت نبیّاً لو شرّقتَ وغرّبتَ فلن تجد هذه المعاني في مکان آخر فقال له:«وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ»؛ فهذه تکون "الکرامة" حینئذ.
قال هذا المفسّر الکبیر إضافة إلی ما أفاض: إنّ وظیفة الحوزة العلمیة أنّها ترفع رأسها وتقول ما هو المراد من قول القرآن بالنسبة إلی المعنی الجدید أنّه لم یکن في مکان آخر من هذا العالم؟! لابدّ أن ندقق في هذا المعنی وإلّا فلن تحقق هناك "کرامة" حینئذ. إنّ کبارنا وأعاظمنا السابقین (رضوان الله تعالی علیهم وسلام الله تعالی علیهم أجمعین) الذین أشیر إلی فضائلهم سابقاً فإنّهم الورثة لهذه المعارف؛ فعلی الحوزة العلمیة أن تعلم ما معنی کون هذا الکلام جدیداً المدّعی من قبل القرآن الکریم. فإن کانت القضیّة متعلقة بمجال العلم، والفقه، والأخلاق، والحقوق فیقول:«وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ»؛ وإن کان الکلام حول المسائل المعتادة فیقول:«وَالْحِكْمَةَ». وأمّا قوله في القسم الثالث والرابع:«وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»؛ و:«وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ» فما هو المراد من هذا العلم الذي یوجد في القرآن ولم یوجد في غیره من المکاتب؟!
قال فضیلة العلامة الشیخ عبدالله الجواديّ الآمليّ (دامت معالیه) في قسم آخر من کلامه: إنّه ارتکز سعي الأعداء الأجانب علی إمحاء التوحید من المجتمع؛ ففي الیوم الذي کان الأندلس روضة للعلم، والفقه، وتربیة الفقهاء والحکماء وکان مسجد القرطبة مع ما فیه من الأساطین الکثیرة في هذا البلد بعد قیام الحروب الصلیبة فیها تمّ سلب الإسلام من أیدي الناس وألسنتهم فحوّلوا المسجد إلی الکنسیة، ولم یطل بهم الزمان حتی حوّلوا الکنیسة إلی المتحف، فلم یبق أثر من القرآن ولا من الإنجیل ولم یبق خبر من الإسلام ولا من النصرانیة حینئذ.
قال سماحة الشیخ (مدّ في عمره الشریف): علی الحوزة العلمیة أن تعلم أنّ السبب الذي جعل الدین مسلوباً من ألسنة الناس وأیدهم هي الرصاصة فذهبت الصلاة والصیام من بین الناس بسبب الرصاصة أیضاً؛ ولکنّ دین الناس وفکرهم لا یسلبان بالرصاص؛ فذلك قلم الفلاسفة المادیین الذي سلب الفکر من قلوب الناس ولم یزل کذلك؛ فسلب الإسلام من عقول الناس وذواکرهم أیضاً.
قال (حفظه الله) أیضاً: إنّه لابدّ أن یکون الکلام الأوّل في الحوزة العلمیة للعقل. فکما تنظرون في الآیات الأخیرة من سورة النساء المبارکة یقول الله تعالی إنّي أرسلت الأنبیاء والرسل:«رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»؛ فلن تجدوا کلاماً أعلی منزلة من هذا؛ قال إنّي أرسلت الرسل والأنبیاء حتّی لا أکون مورداً للشك والارتیاب فیستدل الناس عليّ بالعقل؛ ولا یقولوا لي بعد قیام القیامة" إنّنا لم نکن نعلم ما یکون بعد القیامة؟ لماذا لم ترسل لنا هدایاً یدلنّا علیها؟ لم نکن نعلم ما هو الحلال وما هو الحرام! ولم نکن ندري ما هو الحقّ وما هو الباطل! وما هو الخیر وما هو الشرّ! وما هو الصدق وما هو الکذب! وما هو الحسن وما هو القبیح! لماذا لم ترسل لنا نبیاً وأنتَ تعلم ذلك کلّه!؟
أردف سماحة العلامة (حفظه الله) کلامه قائلاً: إنّ للعقل في هذا الکتاب الکریم سلطنة کبری حتّی قال الله تعالی: لو لم أرسل نبیّاً سیستدل الناس عليّ؛ فإنّ العقل یعني العقل إلّا أنّه بحاجة إلی مثلث (قال ما لا یوجد فهي أمنیتي؛ گفت آنچه یافت می نشود، آنم آرزوست)؛ فالعقل بحاجة إلی میزان في المرحلة الأولی؛ وإلی وزن في المرحلة الثانیة؛ حتّی یزن هذا الموزون في هذا المیزان في المرحلة الثالثة؛ فیفتي عن حکمة؛ فالوزن یعني الأصول الأولیة العقلیة التي لا ریب فیها فإنّنا لو وضعنا هذه الأصول في طرف من طرفي المیزان ونزن به مباحثها العلمیة فهذا الاختبار هو عمل عقليّ.
قال سماحته (دام مجده): إنّ هذا من أعمال الإمام الثامن (علیه السلام) حیث قال:«المیزان هو العقل»؛ ثمّ قال:إنّ الإنسان لا یستطیع أن یعیش من غیر أن یختار صاحباً؛ وقال في حدیث نوراني آخر:«صدیق کلّ إمرئ عقلُه»؛ إنّ عبارة«صدیق کلّ إمرئ» خبر مقدّم و«العقل» مبتدأ مؤخّر؛ ویقدّم الخبر علی المبتدأ لإفادة الحصر؛ ومعناه حینئذ أنّ الإنسان لیس له إلّا صدیق واحد وهو عقله فالإنسان لو کان من غیر عقل فهو من غیر صدیق قطعاً.
أکمل العلامة الحکیم الشیخ الجواديّ الآمليّ (دام ظلّه) کلامه قائلاً: إنّ النظام الإسلامي فإسلامیته نابعة عن الحوزة؛ ولو یکون هناك فائد فالقائد هذا خرّیج هذه الحوزة؛ إن هذه حوزة الإمام الصادق والإمام الباقر والإمام صاحب العصر والزمان (علیهم آلاف التحیة والثناء) والتي ملئت کرامة من أولها إلی آخرها؛ فلا تتلوّث بشيء، وتعطي الخدمات للنظام، إلّا أنّها لابدّ أن تکو مستقلّة.
ترعرع هذه الحوزة حرّة بتمام المعنی في محضر القرآن الکریم، والعترة الطاهرة (علیهم السلام)، والمعارف الإلهیة. وعلی الحوزة العلمیة أن لا تتضایق عن إعطاء أيّ خدمة تطلبها أمة المسلمین فتحمي النظام، والمجتمع، والأمّة حمایة أبویّة.
قال سماحته ضمن الإشارة إلی وجود اختلاف في الآراء وأنّه یلزم أن لا توجب المخالفة: إنّه من المستحیل أن یتحد جمیع الأشخاص علی في الفکر؛ إنّه یستحیل هذا الأمر؛ فإن الاختلاف في الآراء والاختلاف في الفکر أمران موجودان لا محالة، إلّا أنّ عندنا اختلافاً نظیر اختلاف اللیل والنهار حیث قال: إنّا جعلنا النهار خلیفة لللیل؛ فإنّ الاختلاف وإن کان الاختلاف في اللیل والنهار إلّا أنّ القرآن بنفسه یفسّر نفسه أیضاً فقال: إنّ الاختلاف موجود ولکنّه لم تکن مخالفة؛ ومعنی الاختلاف أنّه لو ذهب أحد یخلفه غیره فیعمل عمله؛ قال تعالی:«وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا»؛ أي: إذا قلنا:«وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»؛ إنّ اللیل خلیفة للنهار، والنهار خلیفة للیل. إذا لم یؤت بالعبادات والخدمات في اللیل فیکون النهار خلیفة له وکذا العکس؛ فإنّ الاختلاف عائد إلی الخلیفة لا إلی المخالفة.
إذن لو وجد اختلاف بین اللیل والنهار فمعناه أن الآخر یقوم بعمل صاحبه إلّا أنّه لابدّ من الاحتراز من أن یختلط الاختلاف بالمخالفة.
قال الشیخ عبدالله الجواديّ الآمليّ (دام بقاؤه): نقرأ في کلام نوراني عن النبيّ الأکرم (صلّی الله علیه وآله) أنّه قال:«إیّاکم والبغضاء فإنّها الحالقة ولیست حالقة الشَّعر، بل هي حالقة الدّین»؛ إنّ المکان الوحید الذي هو أمل الإسلام هي الحوزة العلمیة؛ وإنّ الشيء الوحید الذي فیه الأمل هما القرآن والعترة (علیهم السلام)، فإنّ هذا وزین وثقیل بحدّ یتعلّق بعاتقنا جمیعاً أن نخدم الناس بجوار رحمتهما. قال: إیاکم ومخالطة الاختلاف والمخالفة؛ إیاکم من حمل الحقد علی الآخرین والعداء معهم. قال: إنّ الاختلاف والحقد هما شفرتان بأیدیکم؛ إنّ هذا بیان النبيّ الأکرم (صلّی الله علیه وآله) حیث قال: إنّ الاختلاف والحقد والبغضاء کلّ اولئك یستلزم أن لا یبقی من الدین شيء؛ لو حمل إثنان حقداً علی الآخر ویتکلم أحدهما علی الآخر فإنّ في ید کل منهما شفرة یحلق بها نبات الدین فلم یبق من الدین شيء [تدریجاً].
قال الشیخ (حفظه الله): فمن هذا المنطلق قیل أنّ تهذیب النفس یستدعي الاحتضار بواقع معنی الکلمة، فعلی الإنسان أن یتنبّه إلی ما یخطر بباله وما یصدر عن لسانه وما یکتبه قلمه حتی نصبح ملائکة؛ کیف وقد قال تعالی:«إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ»؛ لماذا لم نکن أعلی مرتبة من الملائکة، فإنّ الطریق مفتوح. قالت الآیة الشریفة:«إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا»؛ ولم تقل المعصومین؛ لأنّهم أساتذة الملائکة؛«إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا»؛ هلّا نکون بمستوی حتی تنزل علینا الملائکة؟ فإن لم تکن الشفرة بأیدینا، وإن کنا أهلاً للنصیحة لا للبغضاء، وإن لم نکن أهلاً للتکبّر بل کنا أهلاً للمودّة والمحبّة ستنزل علینا الملائکة؛ فإن هذا بیان الرسول الأکرم (صلّی الله علیه وآله) النورانيّ بأن نحذر من أن تتثبّت البغضاء في الجامعة، والحوزة العلمیة، والأمّة، والحکومة، والبلد لا سامح الله.
کلنا موظفون أن ننصح الآخرین، ننصح الحکومة والأمة، ونقبل نصیحة الآخرین في حقّنا.
إنّ سماحة العلامة الشیخ الجواديّ الآمليّ (دام ظلّه) قال: أیکون النقد الشدید نصیحة؟! فإنّ الـ"النصیحة" في اللغة بمعنی إبرة الخیاطة ویعبر عن الخیاط بـ«المنصحة»؛ إنّ الناصح لو قدّم الثوب المخیط إلی صاحبه فیکون نصّاحاً؛ فخیاطة الثوب وتقدیمه إلی الآخرین وتعزیز ماء وجوهم هذا یکون النصیحة؛ ولکنّ النقود الشدیدة [غیر صالحة للتسمیة] بالنصیحة.
قال هذا المرجع الشیعي: لو وجد في الحوزة والجامعة هذه الآراء المختلفة فإن کانت هذه الآراء اختلافاً لا مخالفة فیتبین أنّها خلفة یکمل بعضها البعض الآخر؛ وإن کانت مخالفة فتکون إحداهما غیر دینیة علی أقلّ التقادیر حیث إنّ القرآن الکریم قال:«لَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»؛ فقال لو حققتم وتتبعتم جمیع آیات القرآن الکریم والأحکام الإلهیة فلن تجدوا فیها اختلافاً لأنّها لو کانت من عند غیر الله سبحانه لکان فیها الاختلاف. فانقدح بهذا أنّه لو اختلفت آراء، ورؤی، وسنة، ومسلك، ومنهج، بعضها من بعض فإنّها غیر إلهیة یقیناً ولو کانت إلهیة لکانت متحدة علی نسق واحد، وکذا لو کانت إلهیة لما وجد فیها بغضاء وحقد وجراحة لسان بالنسبة إلی البعض.
قال (دامت معالیه) أیضاً: وها نحن وأیام الکرامة فإنها دائمة لجمیعنا ولکن فلیکن بیننا کشیعة في الحوزة العلمیة وبین غیرنا فرق؛ فإنّ لجمیعنا أولیاءَ وهم الأربعة عشر معصوماً (علیهم السلام) وإنّ لنا ولاة وهم الأئمة المعصومون (علیهم الصلاة والسلام)؛ فإننا حینما أتینا وصرنا أولاداً لهؤلاء [الکرام (علیهم السلام)]؛ فلابدّ أن یکون بیننا وبین غیرنا فرق؛ کما أنّ القرآن الکریم قام بتحقیق ذلك کلّه بکلّ دقة واحتساب؛ وإنّه إشارة إلی قول الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) النوراني ذلك البیان المأخوذ من القرآن الکریم فإنّه قد عیّن هذا المعنی بالنسبة إلی أهل البیت (علیهم السلام) بنحو حِکَمي.
إنّنا جمیعاً تبعة لأهل البیت (علیهم السلام)؛ إنّنا حینما ارتدینا هذا الثیاب فکیف نکون تابعي أهل البیت (علیهم السلام)؟!
قال الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) قولاً نیّراً بخصوص عبادة الله تعالی مشیراً إلی کون عبادة الناس تتحقق عبر ثلاثة طرق فبعض یعبد الله تعالی "شوقاً إلی الجنّة"؛ وآخرون یعبدون الله تعالی "خوفاً من النار"؛ ولکنّ الأولیاء الخلّص یعبدون الله سبحانه "حبّاً" [فوجدوا الله عزّ وجلّ "أهلاً للعبادة" فعبدوه].
أشار سماحته (مدّ ظلّه) بالنسبة إلی أهل البیت (علیهم السلام) أنّه کذلك فإنّ بعضاً من الناس صاروا شیعة "شوقاً إلی الجنّة"؛ فاتبعوا أهل البیت (علیهم السلام) والبعض الآخر "خوفاً من النار" تشیّعوا واتبعوا؛ إنّ هؤلاء فئتان عادیتان ولکنّ الحوزة العلمیة فکیف علیها أن تکون تابعة لأهل بیت العصمة والطهارة (صلوات الله تعالی علیهم أجمعین)؟! قال القرآن الکریم اتبعوا أهل البیت (علیهم السلام) شوقاً إلی الجنّة لا خوفاً من النار؛ فإنّه قول رسول الله (صلّی الله علیه وآله):«لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ»؛ فاتبعوهم "حبّاً"؛ وعبارة «فِي الْقُرْبَى»؛ لم تکن متعلّقة بـ«الْمَوَدَّةَ»؛ فإنّ بعضاً من الناس یحبّون أهل البیت (علیهم السلام) غیر أنّه غیر کاف [في المقام].
أضاف سماحة الشیخ الجواديّ الآمليّ (دام ظلّه الوارف)؛ أنّه لو کان «فِي الْقُرْبَى»؛ في «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ»؛ متعلقة بـ«الْمَوَدَّةَ»؛ فقد کانت المودّة المعتادة کافیة [في المقام حینئذ]؛ إلّا أنّها لم تکن متعلقة بها بل أنّها مستقرّة؛ أي:"لا أسئلکم علیه أجراً إلّا المودّة المستقرّة الکائنة في القربی"؛ فإن هذه الولایة؛ ویکون هذا ظرفاً مستقرّاً؛ لا ظرف لغو؛ فإنّه مودّة مؤقتة لا دوام فیها، وأمّا المودّة المستقرّة هي ما تکون في السرّاء والضرّاء بأن نحبّ علیّاً وأولاده (علیهم السلام) في الرخاء والشدّة علی نحو سواء.
أتمّ هذا المرجع بیانه قائلاً: إنّنا کما نعبد الله تعالی فکذلك لابدّ أن نودّ علیاً وأولاده (علیهم السلام) ونحبّهم. قال المولی أمیر المؤمنین (علیه السلام): إنّي لم اعبد الله تعالی "شوقاً" ولم اعبده "خوفاً " بل اعبده "حبّاً" [وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك]؛ إنّ الشيء الذي اسئلکم به هي المودّة في هؤلاء؛ أي: الولایة والحبّ لله تعالی فإنّ هذه تکون الکرامة! فهلّا نکون کرماء؟
إنّ سماحته (دام ظلّه) بعد ما ترحّم علی مراجعنا الماضین الذین قضی نَحبهم وکذا الشهداء الذین استشهدوا لأجل هذا النظام، ذکر الإمام الراحل السید الخمیني (رضوان الله تعالی علیه) بإجلال وإکرام وسئل الله تعالی له المغفرة والعنایة الإلهیة.