22 04 2017 276056 بطاقة تعريف:
image
في اختتامية مؤتمر «الفقه والقانون»، تناول آية الله جوادي آملي:

تبيين العلاقة بين الفقه والقانون ودور الفقهاء في هذه العلاقة

بحضور آية الله جوادي آملي بوصفه محاضراً اساسياً اقيمت مراسم اختتامية أول مؤتمر للفقه والقانون، وقد تناول الاستاذ وجوه التشابه والاختلاف بين الفقه والقانون وقال:

هناك مشتركات بين الفقه والقانون، ويمتاز كل واحد منهما بمختصات وامتيازات.
من المشتركات بين الفقه والقانون عبارة عن ان كليهما يمر بمراحل ثلاث، فالفقه مثلاً له مواد خاصة تسمى المواد الفقهية موجودة في الرسائل العلملية للمراجع، وهذه المواد الفقهية مأخوذة من المباني، والمباني مأخوذة من مصادر الاستنباط، اذن هذه المراحل الثلاث مشتركة بين الفقه والقانون، وكمثال على ذلك: لو أن صاحب الشرائع أو الشيخ الطوسي من الماضين، أو المراجع الان، لديهم مئة فرع فقهي، فهذه المواد الفقهية قد اخذوها من المباني ، التي نقحها لهم فن الاصول، ومن أمثلة المباني، ان فقيهاً يقول بالاستصحاب عند الشك في المقتضي، بينما يقول آخر بعدم الاستصحاب عند الشك في المقتضي، أو أن مبنى فقيه ما يقول بوجوب الموافقة القطعية في أطراف العلم الاجمالي، بينما يقول آخر ان المخالفة القطعية حرام ولا تجب الموافقة القطعية، وهذه المباني تستنبط من المصادر أي القران والسنة والعقل، اذن هذه المصادر مركز هذه المباني، وهذه المباني مركز تحقيق هذه المواد، وبالعبور من هذا المثلث نحصل على الرسالة العملية، وهذا التثليث المبارك موجود في القانون ايضا، وعلى اساسه كتب قانون الجمهورية الاسلامية.
وفي معرض بيان ان الاجماع ليس في عرض الكتاب والسنة والعقل، قال الاستاذ:
ان المواد القانونية التي يتم تصويبها في مجلس الشورى الاسلامي، تستند على مبانيها التي هي القانون الاساسي( الاصول)، وهذه المباني تستنبط من مصادر الاستنباط، أي من الكتاب والسنة والعقل، ولا نذكر الاجماع باي وجه لان الاجماع وعلى فرض كونه حجة يرجع الى السنة، فهذا التصدير للاجماع يجب أن يرفع منه، ولا يمكن ان يكون قسيماً للكتاب والسنة والعقل، وعلى فرض كونه حجة لدخول المعصوم عليه السلام أو للكشف عن رضاه عن ذلك الاجماع، فهو داخل تحت السنة الشريفة، وكاشف عنها كالخبر والشهرة، وطبقاً لذلك يلزم رفع الاجماع عن مقام التصدير في عرض المصادر الاخرى، وجعله في مصاف الخبر والشهرة، وعليه فان مصادقات ومقررات مجلس الشورى الاسلامي الايراني تستند على المباني، أي على اصول القانون الاساسي، واصول القانون الاساسي هذه هي مواد قانونية مأخوذة من الكتاب والسنة والعقل، اذن هذه المشتركات بين الفقه والقانون.


وضمن اشارته الى الاخطار الناجمة عن وضع القوانين، استقصى العلامة آية الله جوادي آملي هذه الاخطار قائلا:

يواجه العالم خطرين في وضع القوانين: الاول: اذا كان القانون لا يستند على مصدر فليس له قيمة وصبغة علمية، وانتم ترون الان أن حقوق الانسان التي ترجع اليها منظمة الامم المتحدة لا تتمتع بأي صفة علمية؛ لان هذه المواد الحقوقية التي تعتمد عليها منظمة الامم المتحدة التي قرأناها جميعا، نظير الاستقلال والامن والامانة والعدالة ، ورعاية التعايش السلمي، وحماية البيئة ...الخ، هذه تشكل الاصول والمباني لتدوين هذه القوانين، وأكثر المباني محورية في كتابة هذه القوانين هو العدل، أي ان الاستقلال والحرية والتعايش السلمي والامن والامانة تقع تحت العدل.
ويتصف العدل بمفهوم شفاف وواضح وهو عبارة عن > وضع كل شيء في موضعه <، لكن السؤال يكمن في انه اين توضع الاشياء؟ اين توضع الاشخاص؟ هنا نقول ان منظمة الامم المتحدة التي تشرع حقوق الانسان، مفلسة من هذا الجانب، لانه اذا لم يوجد فقه، فمن ذا الذي ينظم مسألة العدل؟ قلنا ان العدل وضع كل شيء في موضعه، اين موضع الاشياء والاشخاص؟ اين موضع الخل والخمر؟ اين موضع الغنم والخنازير؟ اين موضع الرجل والمرأة؟ اين الارهاب والدفاع عن النفس؟ من هو الارهابي ومن هو المدافع والمجاهد؟
هم يعتمدون في تشريع هذه القوانين على الميول والامزجة والاعراف والتجارب القديمة، ولذا تجد انها تخلو من طابع علمي، نعم من خلق الانسان والعالم وخلق بينهما هذا الائتلاف هو الذي بعث وحياً يؤخذ منه الفقه، وهو الذي يعين موضع الاشياء والاشخاص والمواد، فاذا عيّن المصدر موضع هذه الاشياء، ارتسم العدل، واذا ارتسم العدل اتسقت جميع المباني المذكورة، واذا اتسقت هذه المباني وصار الكلام علمياً ، يمكن الحصول منها حينئذ على المواد التشريعية.
وقال آية الله جوادي آملي في معرض متابعة حديثه عن أزمة القوانين الغربية:
ان اولئك الذين يفسرون العدل على اساس " من اتخذ الهه هواه "، لا تتعجبوا حين ينعتون مقاومة حزب الله بالارهاب؛ لانهم يعتبرون العدل ما فسروه وفهموه عن العدل، والحرية ما فهموه هم عن الحرية.
اذن هذه القوانين التي ترجع وتُرجع اليها منظمة الامم المتحدة قائمة على اساس الجاهلية الحديثة، هذا هو الخطر الاول الذي ترون كيف انه يهدد العالم.
وأقرّ الاستاذ الكبير في الحوزة العلمية، بدور العقل في استخراج المباني من مصدر الوحي وقال:
الخطر الآخر الذي يهدد المسلمين: اننا نأخذ المواد الحقوقية من من المباني وناخذ المباني من المصادر، ومصادرنا مباشرة من الوحي، والوحي تارة يظهر بحلة القران واخرى بحلة السنة، فهل نحتاج الى عين واعية للنظر في هذا القانون أم لا؟ هذه العين الواعية عبارة عن العقل، والعقل سراج والسراج صراط والصراط دين، فالعقل لا أثر له في هندسة ذلك، وهو ليس صانعاً للقانون وانما كاشف له، هذا السراج ليس عنده كلام يقوله، وانما عمله اراءة الطريق، وظيفته ان يكشف ان هذا كرسي وذاك معبر، متى التكلم ومتى الاستماع الى الكلام، فالعقل سراج وليس صراط، والصراط لا ينظمه الا خالق العالم، وخالق العالم الله وفقط، وهذا السراج يحتاج الى زيت، والله الذي خلق العقل سراجاً هو الذي اودع فيه زيت الزيتون > يكاد زيتها يضي ولو لم تمسسه نار* نور على نور<، نعم افرغ هذا الزيت في سراج عقل الانسان وأشعله، وحيث ان هذا الزيت غير كاف ارسل الانبياء ليرفعوا فتيل السراج الى الاعلى، كما قال امير المؤمنين(ع) في اول خطبة من نهج البلاغة حيث قال: > ويثيروا لهم دفائن العقول <، والثورة تعني الانقلاب الثقافي، والاثارة تحريك الثقافة، والمستفاد من قوله (ع) هو ان الانبياء مثيروا ومحركوا الثورة الفكرية والثقافية، يرفعون فتيل السراج الى الاعلى، حتى يكشف جيداً ويفهم صحيحاً، اذن خلق الله هذا السراج بفتيل خاص، ولا يوجد انسان خلقه الله من دون سراج، هذا السراج المنير خُلط بقضايا فطرية ومُزج بقضايا الحكمة العملية، وكذلك خلق الله الجميع مستوين الخلقة، صحيح ان البعض معيب أو ناقص من الناحية الجسمية لكن الجميع متساوون من جهة النفس، قال تعالى > ونفس وما سواها * فالهمها فجورها وتقواها < فالفاء تفسيرية تفسر تسوية النفوس، وتفسير استواء او مساواة أو استواء خلقة النفس، هو ان الله خلق هذا السراج والفتيل والزيتون، أي علمناه الخير والشر، اعطيناه القدرة على تمييز الحسن من القبيح، يدرك حقية العدل وبطلان الظلم، وحقية الصدق وبطلان الكذب؛ فعلى الانسان اذن ان يسير الى ساحة الوحي بهذه الاستعدادت، فالوحي طراط يكشفه هذا السراج ويتحرك ضمن نطاقه، وكما عبر الامام(قد): لا تنقص كلمة ولا تزيد.
وكما اننا نواجه مشكلة علمية في القسم الاول الذي تحدثنا عنا سلفا، كذلك نواجه مشكلة علمية في القسم الثاني من حديثنا.
ان هذه المؤتمرات التي تعقد بين الاخوة السنة الاعزاء وبين الشيعة، تعقد لاجل هذا القسم الثاني ، وهو ان العقل الذي ينساق خلف الوحي، يريد ان يفهم شيئاً، ولان هذا العقل سراج يجب ان نرفع الفتيل حتى تكون رؤيته تامة وصحيحة.
يتوافر العقل على مائدة عامة وغذاء خاص، وعلى هذه المائدة مأدبة عليها كلمات الوحي، وتشتمل هذه المائدة على مسائل وقضايا بديهية، كاستحالة الدور والتسلسل، وكاستحالة اجتماع الضدين والمثلين، وكاستحالة تحصيل الحاصل، والبديهي هو ما كان عليه دليل ولا يحتاج الى دليل، علماً أن كل القضايا البديهية ترجع الى القضية الاولية وهي اصل التناقض، وهي فوق البديهيات وأمها، أي لا تقبل البرهان، لا ان الدليل قائم عليها ولكن لا تحتاجه، فقولنا: الاربعة ناتج من جمع اثنين مع اثنين، لها برهان ولكن لا تحتاجه، وكذلك قضايا اجتماع الضدين والمثلين واستحالة الدور والتسلسل، فانها قضايا تقبل البرهنة لكنها لا تحتاج اليها، اذن فأصل التناقض أولي، لا يقبل البرهان، وترجع جميع البديهيات اليه، وببركة هذه البديهيات التي تستند على هذا الامر الاولي البين، تصبح مبينة، وما يُقال في الكتب الفلسفية من ان هذا الامر ليس بيناً ولا مبيناً، معناه انه ليس بديهياً ولا ينتهي الى البديهي.
وقال المفسر الكبير في معرض رده على نظريات الغزالي في العقل:
مشكلتنا مع الغزالي وامثاله، في انه ينكر الحسن والقبح العقليين؛ وهذا واضح لمن قرأ كتابه المستصفى، حيث يقول هناك: ليس لدينا دليل عقلي على أن شكر المنعم واجب.
الا ان العقل يدرك ويفهم المسائل النظرية التي ذكرناها، أي يفهم بطلان الدور واجتماع الضدين، انتم ترون ان بعض طلبة العلوم الدينية الذين يدرسون عندما يُذكر ان هذا من تحصيل الحاصل فانهم يصدقون، الا انهم وبسبب عدم قراءتهم للمنطق لا يقدرون على اقامة الدليل على استحالة تحصيل الحاصل، ان من لا يفرق بين الاستحالة والاستبعاد ويخلط بين العرف والمنطق لا يكون محققا؛ وهذا المرحوم بو علي سينا الذي نظّم الفلسفة والالهيات يقول: يجب علينا معرفة حدودنا، هناك شكل في بداية اقليدوس اسمه الشكل الحماري وغاية ما في هذا الشكل، انه مثلث ضلعاه اكبر من ضلعه الثالث، سمي حماري لانه حتى الحمار لا يذهب- لو وضع له علف في ذلك المثلث- عن طريق هذين الضلعين الطويلين بل يذهب عن طريق الضلع الاقصر، ذكر ابن سينا ان مجموع الضلعين أكبر من الضلع الثالث مسألة مسلمة، الا ان الكلام في البرهنة عليها وارجاعها الى اجتماع النقيضين؛ حتى يتضح الفرق بين الاستبعاد والاستحالة، ولا يُفتى في المسائل العقلية بالاستبعاد.
يقول الغزالي في كتابه المستصفى وهو من كتبه العلمية العميقة، ان شكر المنعم ليس واجب عقلاً، بل واجب نقلاً، ويرجع ذلك الى عدم تامله جيدا في مسألة الحسن والقبح العقليين، وانكاره لها.
العقل وكما انه يفتي في مسائل النفي والاثبات، كذلك يفتي في مسائل ما ينبغي وما لا ينبغي، وكما انه يضيء ساحة الحكمة النظرية فانه يضيء ساحة الحكمة العملية، ولا يخفى ان المائدة الكبيرة التي تشتمل على جميع المسائل هي مسألة التناقض، ونحن في الحكمة العملية لا توجد لدينا قضية عامة، سوى قضية التناقض التي تندرج تحتها جميع المسائل

ومن الفروق بين الفقه والقانون، ان الفقه لا شأن له بالتزاحم غالباً، بل كثيراً ما يرتبط بالتعارض، الذي هو عبارة عن تعارض دليلين، يرجح الفقيه أحدهما على الاخر طبقاً لقواعد الجمع العرفي، فيقدم النص على الظاهر والاظهر على الظاهر، ويفتي على أساس ذلك، الا انكم ترون ان موارد التزاحم في الفقه قليلة جداً، والفقيه فقط في مورد التزاحم يقدم الاهم  على المهم، والسؤال هنا هل يمكن ادارة البلد على قاعدة تقديم الاهم على المهم؟ اين الاهم واين المهم ومن يقوم بتشخيصهما؟
مما دعى الامام( رضوان الله عليه)، الى التوجيه بتاسيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وقد اعترض البعض بان ذلك مخالف للدستور وكان الحق ظاهراً مع هولاء؛ لان هذه المؤسسة لم يقرها الدستور.
وفي حوار متلفز قال أحد الذين كانوا حاضرين في هذا الحوار، ان البلاد بحاجة شديدة الى مثل هذا المجمع؛ لان الفقه يبيّن أحكاماً كلية، والقانون وبالاستناد الى الفقه يصوب هذه القوانين ويخرجها للناس، وفي مرحلة التنفيذ نقع في شباك التزاحم من قبيل، هل يذهب الناس الى هذا الى الحج ويقرؤن البراءة من المشركين ام لا؟ هل تذهب الناس الى بعد مهاجمة السلطات السعودية للحجاج ام لا؟  ماذا نقدم؟ وهذا ليس من شان الفقه، لان الفقه يقول الاهم مقدم والمهم مؤخر، لكن من هو الاهم خارجاً ومن هو المهم؟  فهذا ما ليس للفقه سبيل اليه، أو بأي طريقة ندير البلد اقتصادياً، عن طريق الزراعة أم الصناعة؟
الفقه يقول ان الاهم مقدم على المهم، غير ان تشخيص الاهم ليس من وظيفة الفقه، وانما من وظيفة الخبراء في هذا المجال، وهم أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام.
اذن نحن على مستوى الاجراء والتنفيذ نواجه مشكلة وهي تزاحم الامرين الذين كلاهما حق، لكن الظروف الموضوعية لا تسمح بإعمالهما سوية، بل لا بدّ من تقديم احدهما على الاخر.
وعليه فإن مؤسسة تشخيص مصلحة النظام مسألة مطروحة قانونياً وليس فقهياً.
ذكر الغزالي في مستصفاه مصادر الاحكام الشرعية، وأشار بعد ذكر المصادر الى ان هناك اربعة أدلة ليس من مصادرنا الفقهية وهي: الشريعة السابقة المنسوخة، وقول الصحابي، والاستحسان، والاستصلاح، وهي وان كانت في نفسها حق، الا انه يمكن ادراجها في ضمن القوانين التبي تفتح الطريق في مسائل عديدة، كرعاية الزمان والمكان، ورعاية الاحسن والاولى.

وأشار فقيه العالم الاسلامي الى الدور المهم الذي يلعبه الفقه وقال:
من يعين وظيفة هيأة القضاء؟ ومن هم القضاة؟ وما هو القانون؟ من هو المجري والمنفذ للاحكام؟ كل هذه المسائل يتكفلها الفقه.
لقد اتضح في اطار الفقه الاسلامي انه لا يوجد حاكمية لشخص على الناس، بل الحاكم على الناس هو الفقه والفقاهة وليس الفقيه.
ان الفقيه يتمتع بثلاث خصال وسيتضح من خلال عرضها ان الحاكم هو الفقه، أي الحاكم شرع الله لا الشخص، وهذه الخصال الثلاث هي: المرجعية الفتوائية، والحكم والقضاء في ادارته للمحاكم القضائية، والاحكام الولائية كتحريم التنباكو من الميرزا الشيرازي( رضوان الله عليه)، فإذا اصدر الفقيه فتوى فإن العمل بها واجب عليه وعلى مقلديه على حد سواء دون ان يُستثنى هو من ذلك الحكم، واذا أصدر حكما قضائياً فان العمل بذلك الحكم واجب عليه وعلى الاخرين، ونقض هذا الحكم القضائي حرام عليه وعلى الاخرين على حدّ سواء، ونستخلص من ذلك ان هذه ليست خصلة للفقيه، واذا اصدر الفقيه حكماً ولائياً كحكم الميرزا الشيرازي في التنباكو، فإن العمل بهذا الحكم واجب عليه وعلى الاخرين، ونقض هذا الحكم حرام عليه وعلى الاخرين، اذن ليس في الاسلام حديث عن حكومة الفرد على الناس، وحكومة الناس على الناس، وحكومة الشخص ولوكان فقيهاً على أحد، وهذه الخصال الثلاث من شؤون حكومة الدين وليس حكومة الفرد > ان الحكم الا لله<، وليس لاحد الحكومة على الناس سوى دين الله، رحم الله صاحب الجواهر إذ يقول في كتاب القضاء، أن اطلاق حرمة النقض في قوله > الراد عليه كالراد علينا< يشمل الحاكم ايضا، بمعنى حرمة نقض الاحكام الصادرة من الفقيه شاملة له ايضا، فالاسلام لم يُحكّم الشخص وانما حكّم الشخصية الحقوقية، أي حكّم الله ودينه.

ثمّ اننا سبق وان قلنا ان العقل سراج، والنقل كذلك سراج وليس صراط، فمؤدى النقل ان الله قال كذا وكذا، وقوله > ان الحكم لله من العمومات والمطلقات غير القابلة للتقييد والتخصيص، واذا كان هناك تعابير توحي خلاف هذا المطلب من قبيل " خير الحاكمين وخير الفاصلين "، فإن الله يُعبر في مكان آخر بالحصر لتبيين التوحيد في الربوبية، انتم تعرفون لن الكثير من مواطن القرآن الكريم، تُسند بعض الاوصاف لغير الله، ولكن في نهاية المطاف يرجع تلك النعوت لله، ففي مسألة العزى ذكر القران ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وفي موطن آخر يقول > العزة لله جميعاً <، واذا عبّر في مسألة الرزق بأن الله خير الرازقين، ففي سورة الذاريات المباركة يقول> ان الله هو الرزاق<، وفي الاية اشارات على انحصار الرزق به سبحانه هي: الضمير " هو "، وتعريف الخبر بالالف واللام، والحصر، واذا قال في مورد آخر > ذو القوة المتين<، و> خذوا ما اتيناكم بقوة< و> واعدوا لهم ما استطعتم< و>يا يحيى خذ الكتاب بقوة<، وأسند القوة لغير الله، فغنه قال في آية اخرى > القوة لله جميعاَ <، وهذه الخاصية من حصر الكمالات به سبحانه موجودة في جميع الآيات القرآنية واذا كانى لاحد قوة فهي منه عز وجل.
انظروا الى الزيارة الجامعة تصل الى اربعة عشرة صيغة، الجامعة ذكر المرحوم المجلسي ان كلمة " مظاهر " في الصيغة السابعة من الزيارة، وهي تدل على ان الانسان الكامل  مظهر له سبحانه وتعالى؛ وعليه لا حاكم في العالم سوى دين الله ودينه، والفقه مبين للارادة الالهية، اذن نستكشف ارادة الله بالعقل وبالنقل، اذ نستكشف بهذا الطريق الهيئة القضائية والقانون والاجرائيات، اذن هذه المشتركات والفروق بين الفقه والقانون، ما عدا قانون القصاص والحدود والديات التي هي نصوص فقهية جاءت على شكل قوانين.
اذا استمر مؤتمركم هذا بإذن الله وببركة وجهود مجلس الشورى الاسلامي ومديرية المؤتمر وبجهودكم انتم ايها الاعزاء؛ فسوف تهضمون المباني الكلامية والاصولية للفريقين بصورة جيدة، اقرأوا هذه الموضوعات وقوموا بتدريسها، عندها يتسنى لكم الجلوس ومدارسة آراء العلماء، ولا بد لكم من قراءة المستصفى ولو لمرة واحدة، واذا اردتم ان تتحدثوا كعلماء، واحببتم ان يتحقق قوله تعالى > واعتصموا بحبل الله جميعا < الذي ترتبط به جميع بحوثنا، فعليكم بدين الله؛ فالدين هو حبل الله ومن عرف الدين يعرف كيف يعتصم، ولو لم يعرف الدين ولم يعرف حدود هذا الحبل فكيف يعتصم؟
بالرغم من أن الله عز وجل أعطى للعقل قيمة كبيرة ودعانا في كثير من الآيات الى التعقل، الا انه أخبر بمحدودية العقل، وعدم اطلاعه على الماضي والمستقبل، انظروا الى قوله تعالى في سورة النساء اذ قال تعالى> رسلاً مبشرين ومنذرين<، لماذا أرسلهم؟ والجواب في نفس الاية الكريمة اذ يقول > لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل <، اذن فقد ارسل الله الانبياء لئلا يعترض الناس يوم القيامة في أن الله لم يبعث لهم رسولاً يوضح لهم الطريق.
واذا كان العقل كافياً في البين فلا معنى للاحتجاج، ان العقل يعلم إجمالا ان هناك عالماً بعد الموت، لكنه يسمع جرس رحيل القافلة، الا انه لا يعلم حقيقة البرزخ والموت والساهرة والقيامة، ماذا يحصل في تلك النشأة؟ ما طبيعة الاسئلة في ذلك العالم؟
فيُعلم من ذلك ان العقل يفهم بعض الامور ولا يفهم أخرى، ويعلم بوجود أناس يُفهمون الناس، ويفهم ان الله رب الجميع ويطلب منه ان يظهر الامامة والولاية، اتمنى على الله ان يمنّ على العالم الاسلامي بخروج وليه وولي العصر.


دیدگاه شما درباره این مطلب
أضف تعليقات