موقع إسراء الرسميّ: شهر رمضان المبارك هو فرصة مناسبة لمعرفة أسرار العالم؛ لأنّه قد ورد في التعبيرات الأخلاقيّة للإسلام: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطْنٍ» [1]؛ أي: لم يملأ الإنسان أيّ وعاء شراً من وعاء البطن، فعند ما تكون البطن ممتلئة يتمّ انسداد طريق الفهم، والشخص الأكول لن يفهم أيّ شيء أبداً، ولن يطلع أبداً على أسرار العالم وباطنه.
وفيما يلي نستعرض مقاطع من كلمات سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في خصوص الآثار المعنويّة للصوم وحكمة هذه العبادة:
قال آية الله العظمى الجوادي الآملي في ضمن الإشارة إلى رواية عن أميرالمؤمنين (سلام الله عليه): إنّه قد روي في حالات أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) أنّه قال لفلاحه يوماً: هل عندك من طعام؟ قال الفلاح: عندي طعام بسيط لا أرضاه لكم يا أميرالمؤمنين، قرع من قرع الضيعة صنعته باهالة سنخة، قال أميرالمؤمنين (سلام الله عليه): عليَّ به! فغسل أميرالمؤمنين (سلام الله عليه) يديه وأصاب من ذلك الطعام شيئاً، ثمّ أشار (سلام الله عليه) إلى بطنه، وقال: البطن التی تشبع بهذا الطعام البسيط! فويل لمَنْ أدخلته بطنه في النار [2].
وتابع سماحته في ضمن الإشارة إلى حديث الإمام جعفر بن محمّد الصادق (سلام الله عليه) في باب الصيام وآثاره: قال الإمام الصادق (سلام الله عليه): رغم أنّ الصوم شاق وصعب، إلّا أنّ لذة ما في نداء الله سبحانه وتعالى هذا، حيث يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [3] يزيل تعب الصوم عن الإنسان: «لَذَّةُ مَا فِي النِّدَاءِ أَزَالَ تَعَبَ الْعِبَادَةِ وَالْعَنَاءِ» [4]؛ أي: بسماع هذا النداء تصبح العبادة لنا سهلة وسلسة.
وقال سماحة آية الله العظمى الجوادي الآملي في جزء آخر من كلامه: ألقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) خطبة في آخر جمعة من شهر شعبان، وقال فيها: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُم» [5]؛ أي: أيّها الناس، إنّكم لستم أحراراً، فأنتم في قفص، ولا تدرون أنّكم في قفص، ولقد سجنتكم ذنوبكم في قفص، ففي شهر رمضان المبارك حرّروا أنفسكم بالاستغفار؛ لا توجد قيمة في الإسلام تساوي قيمة الحريّة، قال أميرالمؤمنين (سلام الله عليه): «مَنْ تَرَكَ الشَّهَوَاتِ كَانَ حُرّاً» [6]؛ أي: الشخص الحر هو مَنْ ترك الشهوات؛ إنّ طريقة تشخيص كوننا عبيداً أو أحراراً هي أنّنا إذا تصرّفنا كما يحلو لنا يتبيّن أنّنا مسجونون في قفص الجشع والطمع، وإذا اتبعنا مشيئة الله سبحانه وتعالى فنحن أحرار؛ الرجل الحر لا يفكر في أيّ شيء سوى الله سبحانه وتعالى، ومن أبرز الوظائف في شهر رمضان المبارك هي التحرير، والخلاص [أي: تحرير النفس وخلاصها]، والطريق إلى الحرية، والاستغفار، وطلب غفران الذنوب، ولهذا قالوا: قولوا عدّة مرّات في الليل والنهار: «استغفر الله ربّي وأتوب إليه» [7].
وأكّد سماحته: أنّ شهر رمضان هو شهر التحرير؛ فكلّ يوم يمرّ، يجب أنْ تفكّ إحدى الحبال التي نسجناها بأيدينا لكي نتحرّر، فأفضل طريقة للتحرير هي أنْ نفهم حكمة العبادات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: كتاب «حكمة العبادات» لسماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي
[1] المجلسي، بحار الأنوار (ط ـ بيروت): ج 63، ص 330.
[2] انظر: الشيخ عباس القمي، الكنى والألقاب: ج 3، ص 138.
[3] سورة البقرة (2): الآية 183.
[4] الطبرسي، مجمع البيان: ج 2، ص 490.
[5] الصدوق، الأمالي: ص 94، م 20، ح 4؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 1، ص 296، ح 53.
[6] المجلسي، بحار الأنوار (ط ـ بيروت): ج 74، ص 237.
[7] قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «...إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً». (المجلسي، بحار الأنوار «ط ـ بيروت»: ج 17، ص 44)