في اليوم الثالث من شهر اسفند سنة 1367 هجرية شمسيّة (22 فبراير 1989 / 15 رجب 1409) أصدر الإمام الخميني الراحل (قدّس سرّه) بياناً موجه إلى رجال الدين، والمراجع الدينيّة، والمدرّسين، وطلّاب العلوم الدينيّة، وأئمّة صلاة الجمعة، وأئمّة صلاة الجماعة، وحدّد فيه استراتيجيّة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ورسالة الحوزات العلميّة، والذي يذكر باسم «منشور رجال الدين».
وفقاً لتقرير موقع إسراء الرسميّ: قال سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في خطابه حول موضوع «شرح بيان الإمام الخميني ومنشور رجال الدين»: من المناسب أنْ يقرأ طلّاب العلوم الدينيّة الأعزّاء وجميع علماء الدين بين الحين والآخر وصيّة الإمام الخميني ومنشوره المعروف باسم «منشور رجال الدين» وينقلوه للآخرين، والذي قد دعا الإمام الخميني هناك علماء الدين لمعرفة الزمان والعصر أوّلاً، ودعا إلى العمل ثانياً، وهدى إلى الوحدة بقبول الآخرين ثالثاً؛ وقد ذكّر بعض الأُمور ذيل هذه الأُصول الثلاثة، وقال: أنتم ورثة الأنبياء وعليكم أنْ تعرفوا العالم والإنسان لكي تتكلّموا بكلام يستمع إليه الجميع، وعند ما تتكلّموا بطريقة عالميّة وإنسانيّة يستمعون إلى كلامهم! ومتى ما كان كلامكم متوافقاً مع الفترة والزمان والعصر فحينئذٍ يصبح عالميّاً وإنسانيّاً، والشيء الذي انتهت صلاحيّته هو هذه القصّة، وما هي آلام الناس اليوميّة يجب عليكم طرحها.
وقال سماحته: إنّ الشبهات والإشكالات والعلوم في كلّ عصر هي الغذاء اليومي لأهل ذلك العصر، وإذا كان الإمام جعفر بن محمّد الصادق (سلام الله عليه) قال: «الْعَالِمُ بِزَمَانِهِ لَا تَهْجُمُ عَلَیْهِ اللَّوَابِسُ» [1] فعكس النقيض [2] لهذه القضيّة یکون هكذا: «مَنْ هَجَمَتْ عَلَیْهِ اللَّوَابِس فَلَیْس بِعَالِم»؛ أي: مَنْ لا يعرف في أيّ مناخ يتنفس فهو قهراً يكون تحت غطاء الشبهات، والشخص الذي «هجمت علیه اللوابس» فهو «لیس بعالم» على عكس النقيض لتلك الفتوى.
وقال سماحته: إذا أراد رجال الدين اتباع منشور الإمام الخميني، فعليهم أنْ يعرفوا المناخ والعصر الذي يعيشون فيه وأنْ يعرفوا ما هي مشاكل وشبهات أهل هذا العصر؛ الناس مبتلون بالشبهات، والشبهات هي فيروس لا يترك الإنسان؛ إذا كانت هناك قضايا عسكريّة فغالباً ما ظهرت بعد تلك المشاهد والمجالات الفكريّة، فليس الأمر كذلك بأنّ ماركس [3] وإنجلز [4] بدءا بالقتل أوّلاً؛ بل بعد ذلك جاء أمثال ستالين [5]، وفي البداية كانت فكرة الشيوعيّة، ثمّ هجوم ستالين! عند ما تأتي الفكرة، على أيّ حال، حيث أنّ الإنسان يعيش مع الأفكار والرؤى، فهي تأخذه وتجذبه إلى نفسها، وإذا أخذت الإنسان وجذبته إلى نفسها، فليس من السهل السيطرة عليه.
وذكر سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي أنّ الإنذار ليس مهمّة سهلة! ما دام الشخص لا يخاف من جهنّم فإنّ كلامه لا ينشأ الخوف من المعاد في قلوب الناس؛ وما دام أمر القيامة لا يكون في البين، ولا يخاف الناس من يوم الحساب، فلن يكون إصلاح المجتمع أمراً سهلاً؛ ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ [6].
وبيّن سماحته أنّ نفس التوصية الخاصّة التي قدّمها الله سبحانه وتعالى للرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بشأن إنذار المجتمع وتعليمه وتربيته، فنفس ذلك الكلام قاله لعلماء الدين أيضاً؛ وما حذّر به الكتاب والسُنّة الشريفة العلماءَ، فقد حذّر به الإمام الخميني الراحل (ره) رجال الدين وعلماء الحوزة العلميّة وغيرهم كوصيّة خاصّة بأنْ يكونوا أوّلاً: علماء دين كاملين، وثانياً: معتقدين بالدين ومؤمنين، وثالثاً: لا يفقدوا الوحدة والاتحاد والانسجام، ورابعاً: يكونوا على علم بالزمان والعصر، وخامساً: يحافظوا على هذه الثورة حتّى ظهور صاحبها الأصلي والأصيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* خطاب سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله الجوادي الآملي حول موضوع: «شرح بیان الإمام الخمینی ومنشور رجال الدين» بتاريخ: 12/12/1378 هـ ش.
[1] الكليني، الكافي (ط ـ الإسلاميّة): ج 1، ص 27، ح 29.
[2] «عكس النقيض» في المنطق هو تحويل القضيّة إلى قضيّة موضوعها نقيض محمول القضيّة الأُولى ومحمولها نقيض موضوع القضيّة الأُولى مع بقاء الكيف والصدق بحالهما.
[3] كارل هانريش ماركس: فيلسوف وناقد للإقتصاد السياسي ومؤرخ وعالم اجتماع ومنظر سياسي وصحفي وثوري اشتراكي ألماني؛ كان لفكره السياسي والفلسفي تأثير هائل على التاريخ الفكري والاقتصادي العالمي واستُخدم اسمه للتعبير عن مدرسةٍ فكريّة كثيرة التطورات وهي المدرسة الماركسية.
[4] فريدريك إنجلز: كان فيلسوف ورجل صناعة ألماني يُلقّب بأبو النظرية الماركسية إلى جانب كارل ماركس.
[5] جوزيف فيساريونوفيتش ستالين: هو ثائر جورجي والقائد الثاني للاتحاد السوفييتي، حكم من منتصف عشرينيات القرن العشرين حتّى وفاته عام 1953 وهو من إثنية جورجية، وشغل منصب السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي من 1922 حتّى 1952، ومنصب رئيس مجلس الدولة من 1941 حتى 1953، وترأس في بادئ الأمر حكومة جماعية قائمة على نظام الحزب الواحد وأصبح بحلول ثلاثينيات القرن العشرين دكتاتوراً بحكم الأمر الواقع، وعرفت بلاده في ظلّه أقسى أنواع الدكتاتورية.
[6] سورة التوبة (9): الآية 122.