نأمل أنْ تكون رغبتنا في ليلة الرغائب منسجمة مع رهبتنا، ولنكن في رهبة من غضب الله وجلاله، وكذلك راغبين إلى رحمة الله وجماله؛ الرغبة تعني الميل وليس التمنّي، وليلة الرغائب لا تعني ليلة الأماني، بل هي ليلة الرغبات، والميول، والانجذاب؛ لذا فإنّ ذلك الانجذاب، والميل، والإشتياق، يسمّى الرغبة، في قبال الرهبة. الله سبحانه وتعالى عنده جنّات وقد رغبنا إليها، وله جنّة لأرواحنا أيضاً وقد رغبنا للذهاب إليها.
شهر رجب هو شهر الله؛ وهو شهر مبارك وقد ذُكر له أعمال كثيرة.
يجب أنْ نغتسل في بحره الصافي لنصبح طاهرين ومطهرين؛ قال النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): «ألا فمَنْ صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر، وأطفى صومه في ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه باباً من أبواب النار» [1].
وأعمال شهري رجب وشعبان هي لتهيئة الروح للمشاركة في ضیافة شهر رمضان المبارك، ولفهم عظمة شهر رمضان، علينا أنْ نعد أنفسنا مسبقاً.
أوّل ليلة جمعة من شهر رجب تسمّى ليلة الرغائب، وفي هذه الليلة تنزل الملائكة على الأرض، لذا قد ذُكر لهذه الليلة عمل من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، له فضائل كثيرة، وآدابه موجودة في كتاب مفاتيح الجنان.
وبناءً على هذه الأهميّة، اعتبر سماحة آية الله العظمى الجوادي الآملي ليلة الرغائب ليلة الرغبة وقال في أحد دروسه الأخلاقيّة:
نأمل أنْ تكون رغبتنا في ليلة الرغائب منسجمة مع رهبتنا، ولنكن في رهبة من غضب الله وجلاله، وكذلك راغبين إلى رحمة الله وجماله؛ الرغبة تعني الميل وليس التمنّي، وليلة الرغائب لا تعني ليلة الأماني، بل هي ليلة الرغائب، والميول، والانجذاب؛ لذا فإنّ ذلك الانجذاب، والميل، والإشتياق، يسمّى الرغبة، في قبال الرهبة. الله سبحانه وتعالى عنده جنّات وقد رغبنا إليها، وله جنّة لأرواحنا أيضاً وقد رغبنا للذهاب إليها.
وقد أشار صاحب تفسير تسنيم ـ ضمن الانتباه إلى الرغبات المختلفة في هذه الليلة ـ إلى التوفيق للوصول إلى الجنّة الجسمانيّة والجنّة الروحيّة في هذه الليلة العظيمة، وقال:
جاء في الجزء الأخير من سورة القمر المباركة: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [2] أي: أنّ للرجال الأتقياء جنّة؛ والآية التي تقول: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [3] هي جنّة الجسم والبدن، واللذائذ الماديّة التي فيها نهر من عسل يجري، ونهر من ماء يجري، ونهر من لبن يجري، ونهر من خمر يجري، كلّ هذه الأنهار الأربعة موجوىة في هذه الجنّة؛ ولكن هناك جنّة أُخرى، وهي لروحنا، والله تعالى لم يذكرها في كتابه مع واو العطف، بل قال سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾، ولم يقل: (وفي مقعد صدق عند مليك مقتدر)، فتلك الجنّة هي لأرواحنا ولأنفسنا كي نكون عند الله سبحانه وتعالى؛ ورغبة أوساط أهل الإيمان في ليلة الرغائب هي: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾؛ فبعض أهل الإيمان، بصرف النظر عن أنّهم يطلبون ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾، فإنّهم أيضاً يرغبون ويميلون وينجذبون إلى ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾، وحينئذٍ يقال لمثل هذه المجموعة: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [4] وهما جنّة البدن وجنّة النفس، ولذّة الروح ولذّة الجسد، وإنْ شاء الله نحصل على هذه الرغبات في ليلة الرغائب؛ لأنّه ـ لا قدر الله ـ إذا ابتلى الإنسان بالخوف والرهبة [أي: ابتلى بما يخاف منه]، فله أيضاً جحيمان؛ جحيم يحرق الجسد، وهو ما ورد في سورة النساء المباركة حیث قال سبحانه: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [5] الذي يحرق الجلد والجسم والجسد، وهناك عذاب روحي يحرق الروح، وهو: ﴿نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ [6].
تعلمون أنّ الخزي والعار هما عذاب الروح، وحرق الجلد والجسد هو عذاب الجسد، وحيث قال: ﴿لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [7] لأنّ الخزي عذاب داخلي [روحي] مؤلم، فهذان القسمان الأخيران هما متعلقان بالرهبة، وعلينا أنْ نكون في رهبة، وخائفين، ومراوغين؛ والقسمان الأوّلان ـ أي: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ ـ متعلقان بالجسد والروح، وهما متعلقان بالرغبة، ونرغب في هذا الاتجاه ـ إنْ شاء الله ـ.
لذا، يمكن أنْ يكون أمامكم رغبات مختلفة ومراحل كثيرة في ليلة الرغائب، وإنْ شاء الله في أوّل ليلة جمعة من شهر رجب المبارك، تحصلوا على ذلك التوفيق لكي تتمكّنوا من الوصول إلى الجنّة الجسمانيّة والروحانيّة.
المصدر: درس أخلاق سماحة آية الله الشيخ عبدالله الجوادي الآملي (26/02/1392 هـ ش)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المجلسي، بحار الأنوار (ط ـ بيروت): ج 94، ص 26، ح 1.
[2] سورة القمر (54): الآية 54 ـ 55.
[3] سورة آل عمران (3): الآية 15.
[4] سورة الرحمن (55): الآية 46.
[5] سورة النساء (4): الآية 56.
[6] سورة الهمزة (104): الآية 6 ـ 7.
[7] سورة المائدة (5): الآية 33.