يعتقد حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي أنّ «إحياء العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في الوهلة الأُولى هي نجاح لكلا البلدين قطعاً، والمنافع الأمنية، والسياسيّة، والاقتصاديّة، وغيرها ستعود إلى شعبي البلدين؛ والتيارات الإستكباريّة مثل أمريكا وإسرائيل غير راضية عن هذه العلاقة، وستعيق العلاقة والاتحاد بين شعوب المنطقة».
فيما يتعلق باستئناف العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، أجرى «موقع جماران الخبري» محادثة مع حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الجوادي الآملي، رئيس مؤسسة إسراء الدوليّة للعلوم الوحيانيّة، يأتي تفاصيلها على النحو التالي:
برأي سعادتكم، هل سيؤثر الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين إيران والمملكة العربية السعودية على تخفيف حدّة التوتر في المنطقة، وهل ستشهد المنطقة سلاماً بعد عقد من التوتر؟
من الأخبار التي تنشر هذه الأيّام وهي في بداية العمل، قضية العلاقة بين إيران والمملكة العربية السعودية؛ إيران والمملكة العربية السعودية كلتاهما ذات سمعة ومقام في المنطقة، ولهما مواقع كثيرة بلحاظ المنطقة والقضايا الاقتصادية، والأهم من هذا كلّه موقعهما بلحاظ الدين والإسلام.
في الحقيقة أنّ المملكة العربية السعودية هي أرض الوحي، ونحن مرتبطون فكريّاً وروحيّاً بهذه الأرض ولدينا تعلّق خاص بها، ونقدّم اخلاصنا ليلاً ونهاراً تجاه القبلة ولرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة البقيع (سلام الله عليهم)؛ ما يجب ملاحظته في هذا الصدد هو ثلاثة مطالب، والتي كانت إلى الآن مقبولة من الناحية النظرية، ولكن للأسف من الناحية العمليّة، فقد تمّ التصرف فيها بطريقة أدّت إلى إلحاق الضرر بهذه الأُصول الثلاثة.
يتعلّق المطلب الأوّل بالقوانين الدوليّة والأُصول والالتزامات الرسمية التي قبلتها جميع الدول، وهي الاستقلال، ووحدة الأراضي، وحق سيادة كلّ شعب تجاه بلده؛ فمثلما نحن نصرّ على استقلال وسيادة بلدنا من موقع الشعب ولا نقبل أيّ نوع من التدخل، فمن الطبيعي أنْ تدافع الدول الأُخرى أيضاً عن حریمها بهذا الدافع، وإذا أرادت دولة ما التدخل في شؤونها الداخلية لأيّ دافع، حتّى لو كان ذلك هو دافع الحق والمطالبة به، فلن يكون ذلك مقبولاً من وجهة نظرهم.
إذاً فإنّ الأصل الأوّل هو أصل الإستقلال وسيادة الشعب والحقوق القائمة لاستقلال الدول؛ إنّ انتهاك أصل الاستقلال والتدخل في شؤون الدول الأُخرى ما هو إلّا غير مقبول وغير صحيح، فكلّ ما تمّ القيام به فيما يتعلّق بسفارة المملكة العربية السعودية في السنوات الماضية، والشعارات التي رفعت ضدها، يعتبر نوعاً من التدخل، ونتيجة لذلك فقد شوهت سيادة الحكومة والشعب على البلاد، وقد تمّ التشكيك في استقلالهم؛ فنحن إذا قبلنا المعاهدة والأُصول الدوليّة، يجب على جميع جهات البلاد ـ سواء مَنْ هم في رأس الدولة ولديهم مسئوليّة حكوميّة، أو الشعب ـ أنْ يقبلوا ذلك؛ وإذا أراد البعض التصرف كمتمردين والقيام بأعمال خاطئة وغير مقبولة، لا فقط أنّهم يتسببوا في أضرار عظيمة لبلدٍ ما، بل تصرفهم هذا يعدّ انتهاكاً لحقوق الشعب وانتهاكاً للاستقلال الذي قبلناه جميعاً، وما قلته يتعلّق بالمطلب الأوّل.
المطلب الثاني هو حول القضايا المجاورة والإقليميّة؛ نحن نعتبر من أقوى الدول في منطقة الشرق الأوسط، بسبب الشرائط الاستراتيجيّة الخاصة، وامتلاك الكثير من الطاقة، والكثير من السكان، والعديد من الامتيازات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط؛ على أيّ حال، يجب علينا أوّلاً تدوين أُصول الجوار وتعريف العلاقة بين الدول من حيث الجوار.
للأسف لم يتمّ تعريف هذه الأُصول، ويتصرف كلّ شخص بناءً على ذوقه ومعاييره الخاصة، ونحن في هذا الصدد تصرفنا بشكل ضعيف وعاجز تماماً، والجار الذي كان بإمكاننا أنْ نضعه على أساس مراعاة الحقوق في مسير رغباتنا وأفكارنا ودوافعنا، للأسف وضعنا الجميع في الجبهة المعاكسة، وافترضناهم أعداء، وقد تسبب ذلك في أنّنا لا نشعر بأنّهم جيران لنا؛ فقبل أنْ تُطرح قضية الجار والمنطقة، شككنا في أنظمتهم السياسية والإعتقاديّة، وبناءً على هذه القضايا أقمنا تعاملنا وعلاقاتنا الخاصة، بينما نظام الجوار لا يرتبط بهذه القضايا، وكلّ جار له معتقداته الخاصة به، ويقوم بتعديل نظامه السياسي والاجتماعي بناءً عليه، حتّى لو لم نوافق عليه ولا نستطيع المصادقة عليه؛ فنحن يجب علينا ألا نتحدث عن مثل هذه القضايا في المحافل الدوليّة. فنحن إذا لم نقبلهم سياسيّاً، واجتماعيّاً، وحتّى ثقافيّاً، لا ينبغي لنا أنْ نرفع راية المواجهة، ونعتبر بعضنا البعض أعداء، ونرفع الشعارات ضد بعضنا البعض، وفي هذه السنوات كم من العداء والعداوات التي تأججت، وكم من السلام والصداقات التي كان بإمكانها أنْ تكون مصدر خير وبركات للمنطقة، فاتت.
إذا كان الإمام الخميني (رحمة الله عليه) يتكلّم عن موضوع تصدير الثورة، فذلك من الناحية الفكريّة، والنظريّة، والثقافيّة، وما شابه ذلك، وإلّا فإنّ مثل هذه القضايا لا يمكن أنْ تصدر الثورة، بل [على العكس] تشكك في ماهية الثورة؛ فإّن الثورة التي تريد أنْ تصدر بالأسلحة والصواريخ لن تجلب سوى الحرب والفوضى للطرفين.
هذه العقود من التجربة كافية، ويجب على الشعب وحكومته أنْ يطابقا أنفسهما مع كيفيّة مراعاة حقوق الجيران والمنطقة، ونحن لدينا تعاليم شريفة حول تنظيم العلاقات مع الجيران، وليس من الضروري أنْ يكون الجار في الفكر وفي الرأي مثلنا، ونحن علينا أنْ نجرّب الرفقة والمصاحبة من حيث الجوار، وأنْ نتعلّم الطريقة الصحيحة في ظل هذه الرفقة والمصاحبة، وإلّا فإنّ هذا العمل لن يتحقق أبداً بالصواريخ والأسلحة، خاصة اليوم والتي قد تغيّرت الأنظمة العالميّة تماماً، ووضعت المناقشات العسكرية وحتّى الحروب وما شابهها في مسير القانون والعقوبات.
المطلب الثالث هو أنّ المملكة العربية السعودية أرض متعلقة بها قلوبنا وأرواحنا جميعاً نحن الإيرانيين بطريقة ما؛ لأنّه أوّلاً هي أرض الوحي، وقد كان بها الأنبياء (سلام الله عليهم) ولا سيما الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فأرض الحجاز ومكّة والمدينة المنوّرة هي ذكرى دينيّة واعتقادية بالنسبة لنا، وعلينا أنْ نصلحها بطريقة يمكننا من خلالها تقوية علاقاتنا؛ لا فقط أنّ موضوع الحج قد عرّف أنّه أحد الأركان الأساسية لعلاقاتنا الإنسانيّة والدينيّة، بل يجب أنْ تعظّم العديد من القضايا هناك مثل قضية الزيارة والقضية الثقافيّة التي نشأت من هناك، وإذا كنّا معتقدين بأنّ بقيّة الله الأعظم (سلام الله عليه) يقول وهو مسند ظهره إلى الكعبة: «أنا بقيّة الله» [1]، فيجب أنْ يكون هذا المكان من شعائرنا، وعلينا أنْ نسعى دائماً أنْ نعتبر هذا المكان مقدّساً، وأنْ لا نفعل شيئاً يشوّه هذه القضيّة في العمل.
وبناء على هذا، يجب التأكيد على هذه المطالب الثلاثة وأنْ تؤخذ في الاعتبار، وأنا أعتقد أنّنا تسببنا بأضرار كافية والخسائر في هذا الصدد تكفينا، وقد قام العقلاء والحكماء والمفكّرون دائماً بتسريع واصلاح مسار التواصل، وأظهروه لنا، وأخبروا بأنّ الطريقة الصحيحة هي هكذا؛ وقد قال سماحة آية الله الجوادي الآملي: «إذا هجمتم على سفارة المملكة العربية السعودية واقتحمتموها بهذه الطريقة وهتكتم الحرمة، فلا تتوقعوا منهم أنْ يفرشوا لكم سجادة حمراء»، فهذه القضايا مترابطة تماماً مع بعضها البعض؛ أيّ نوع من العداء، حتّى العداء اللساني، يستخدم ضده عداء، ولا أحد لديه مجاملات، ولن يسمح أيّ بلد لبلد آخر التدخل في شؤؤنه؛ ونأمل أنْ تكون الخطوة التي تمّ اتخاذها خطوة مستدامة وأنْ تنظّم المناسبات بشكل صحيح بين هذين البلدين والشعبين الذين يعيشان على دين واحد.
بعض الدول راضية عن العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، ودول أُخرى لا فقط أنّها ليست راضية، بل تعتبر هذه العلاقات فشل بالنسبة لها؟
إنّ إحياء العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في الوهلة الأُولى هي نجاح لكلا البلدين قطعاً، والمنافع الأمنية، والسياسيّة، والاقتصاديّة، وغيرها ستعود إلى شعبي البلدين؛ والتيارات الإستكباريّة مثل أمريكا وإسرائيل غير راضية عن هذه العلاقة، وستعيق العلاقة والاتحاد بين شعوب المنطقة، ونحن علينا أنْ نعتصم بكلّ قوّتنا، وأنْ نتمسك بهذه العلاقة، وأنْ نحافظ على الوحدة بين الشعوب الإسلاميّة في المنطقة، وهذه القدرة هي موجودة بحمد الله.
هل تعتقدون أنّ تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية سيحسن العلاقات الاقتصاديّة والاستراتيجيّة مع الإمارات والكويت وربّما تحل المشاكل مع البحرين أيضاً؟
من الطبيعي أنْ تكون هناك عُلقة بين الدول بسبب العلاقات الموجودة بينهم، فالقضايا الموجودة بين إيران وروسيا تتبع هذه القاعدة، وكذلك الحال بالنسبة لليمن؛ فقطعاً أنّ هذه المعاهدات والوحدة التي تنشأ ستؤثر على العلاقة بين اليمن والمملكة العربية السعودية، ونوع العلاقة هي علاقة بحد أدنى، وسينقذ اليمن من الحرب وإراقة الدماء.
هذه القضية المهمّة مطروحة وهي أنّه لا ينبغي لنا أبداً أنْ نفكر ونتخيّل أنّه يمكننا الاخلال ببلد ما من خلال القدرة العسكرية والأمنية وقوات الشرطة وما شابه ذلك، وتنفيذ النظام الذي نريده؛ [على سبيل المثال:] انتفض شعب البحرين وكان لديه تحركات واسعة، وقد تمّ الحماية عنه من قِبَل إيران، لكن لم تحدث أي حركة قد تكون مرغوبة من قِبَل شعب البحرين وشعب إيران وحكومة إيران.
ولا ينبغي أنْ ننسى أنّ الأنظمة ليست كما كانت في الماضي، حيث كان يسقط نظامٌ ما نظاماً آخر عن طريق إراقة الدماء، والقتل، وما شابه ذلك، ويضع نفسه وأفراده في ذلك النظام، وعلينا أنْ نقبل أنّ الدول هي على هذا النحو، والحكومات أيضاً على هذا النحو، وكما نحن الآن نحكم بطريقة ما، هم أيضاً كذلك، وبطبيعة الحال فإنّ نظامهم الفكري والسياسي هو كما تلاحظون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص 331، ب 32، ح 16.