موقع إسراء الرسميّ: التقى الدكتور محمّد مهدي إسماعيلي، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي والوفد المرافق له اليوم الخميس (6 بهمن 1401 / 26 يناير 2023 / 4 رجب 1444) بآية الله العظمى الجوادي الآملي وتحدّثوا معه أثناء حضورهم بيت سماحته.
بحسب تقریر مراسل موقع إسراء الرسميّ: قال آية الله العظمى الجوادي الآملي في لقاء مع وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي: هناك سلسلة من الأُمور المهمّة المتعلقة بالمجال الإقتصادي يجب أنْ نناقشها مع المسئولين الإقتصاديين، وهنالك مسائل تتعلق بمجال الثقافة، وهي أهم من الإقتصاد، وليست مختصّة بالحكومة فحسب، بل على الحكومة، والشعب، والحوزة العلميّة، والجامعة أنْ يواجهوا هذا الأصل.
وببيان من سماحته على أنّ الحوزة العلميّة والجامعة هما القطب الثقافي للمجتمع، قال: قد ذكر المرحوم الكليني في مقدمة كتاب الكافي أنّ القطب الثقافي للإسلام ـ سواء في الدنيا وسواء في الآخرة ـ هو «العقل»؛ لأنّه كما يعاملوننا على قدر العقل في الدنيا، كذلك يحاسبوننا يوم القيامة على قدر العقل أيضاً! وكذلك لا شيء يُشترى في الدنيا ولا في الآخرة سوى العقل! فوفقاً لهذا العقل، إنّ أهم مشكلتنا هي أنّنا نفكر في كلّ شيء ما عدا أنفسنا! ومعظمنا لا يفكر فيما سيحدث بعد ذلك؟!
وبتصريح من سماحته على أنّ أسوأ مشكلتنا هي غفلتنا، قال: جاء بعض الناس وقالوا للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): أرشدنا إلى عمل حتّى نستفيد منه. قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «معرفة النفس». قالوا: إنّا طلبنا منك حلاًّ عمليّاً، وأنت تشير إلينا بمسألة علميّة. فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): كلّ النعم تأتي من هذه المعرفة، وهي أنْ تعرفوا «مَنْ» أنتم! وإذا عرفنا أنفسنا، فسيتم حلّ العديد من مشاكلنا.
وقال سماحته: إنّ الإنسان ليس كالشجرة التي تتحول إلى حطب بعد الموت ويتم كلّ شيء، بل هو مثل الطائر الذي يتحرر من قفصه بالموت، فإذا كان مثل تحرر الطائر ـ وهو كذلك ـ، فعلينا أنْ نعرف إلى أين نحن ذاهبون بعد هذا العالم! مشكلة مجتمعنا هي أنّنا ننسى «مَنْ» نحن وإلى «أين» نريد أنْ نذهب، مثل المسافر التائه والحيران دائماً عند ما لا يدري إلى أين يريد أنْ يذهب! أينما كانت لدينا مشكلة، فذلك لأنّنا لم نعرف أنفسنا! إذا علمنا «مَنْ» نحن وإلى «أين» نحن ذاهبون، ففي هذه الحالة، لا نخطئ، ولا ننحرف، ولا نعيق طريق أحد.
وقد تصدّى سماحته في جزء آخر من خطابه لتبيين العلم الديني، وقال: كلّ ما في الأرض وما في السماء هو من خلق الله، وقال الله سبحانه: كلّ هذه المخلوقات هي آيات وعلامات إلهيّة؛ نحن نتصور أنّ العلم الديني هو كتابة الكتاب وفقاً لرغباتنا، ومن ثمّ إذا وضعنا اسم الله في بدايته، ثمّ رمز الجمهورية الإسلاميّة، وصورة الإمام والقائد، هذا يصبح علماً دينيّاً، في حين أنّ هذه هي مهام إبتدائيّة، ولكن المهم هو المحتوى الذي على الإنسان أنْ يعرف بأنّ كلّ ما يعلمه هو من عمل الله، ولا يقول للفعل الذي يصدر منه ذهب وانتهى؛ لا، هذا الفعل هو موجود، ولا يضيع أيّ عمل؛ وأعمالنا هي دائماً معنا.
وتابع سماحته: الأصل الأوّل هو أنّ كمال الإنسان بعلمه، والأصل الثاني هو أنّ كلّ ما عند العلم هو من المعلوم، ويعلو كلّ علم عند ما يعرف ما يقوله المعلوم، وما لم نعرف المعلوم جيّداً لن يتقدّم العلم، والمعلوم ـ سواء كان سماوياً، أو كان أرضياً، أو كان ما بينهما ـ كلّه من خلق الله! والله سبحانه وتعالى حينما يعرّف هذا، يعرّفه كمثلث: النظام الفاعلي، والنظام الغائي والهادف، والنظام الداخلي الذي هو في الوسط، أي: أنّ أحد الأضلاع يعود إلى المبدأ، وهو: مَنْ الذي خلقه؟ والضلع الآخر هو لماذا خُلق؟ والضلع الثالث هو داخلي؛ واعلموا أنّ هويّتكم مرتبطة بهويّة المعلوم، والمعلوم هو مثلث، فلا تمثّلوا بهذا المثلث [أي: لا تشوّهوه]؛ لأنّه إذا شوّهتم المعلوم فستحصلوا على علم مشوّه، وستصبحون أنتم مشوّهين أيضاً.
قال سماحته: للأسف شوّهوا هذا العلم وتركوا ضلعاً واحداً فقط، وقد أخذوا مَنْ خلق؟ (الضلع الأوّل) ولماذا خلق؟ (الضلع الثالث)، وبقي هذا الجسد البارد، فهذه الأرض الميتة والسماء الميتة لا تجعل الإنسان عالماً؛ كلّ ما عند العلم فهو من المعلوم، وهذا المعلوم مشوّه، وهو مثلّج! والموجود الميت المشوّه المثلّج لا يستطيع حلّ مشكلته؛ العلم يحل مشكلة العالم عند ما يكون مثلثاً؛ لذلك عند ما سُئل النبي موسى كليم الله (عليه السلام): من هو الإله الذي أرسلك؟ قال: إلهي هو الإله الذي خلق كلّ شيء مثلّث (أي: الله خلق، وخلق على هذا النحو، وخلق لهدف معيّن)؛ وهذا هو العلم الديني الذي يجب تعميقه وتثبيته في جامعاتنا وشؤوننا الثقافيّة.